مَضَوْا تِبَاعاً وَهَذَا يَوْمُ مَسْعُودِ – خليل مطران

مَضَوْا تِبَاعاً وَهَذَا يَوْمُ مَسْعُودِ … هَلْ فِي الكِنَانَة قَلْبٌ غَيْرُ مَكمُودِ

نَوَابِغٌ مَلأُوا بِالفَخْرِ عَصْرَهُمُ … وَجَدَّدُوا المَجْدَ فِيهِ كُلَّ تَجْديدِ

عَادَتْ بِه لِفُحُولِ الشِّعْرِ دَوْلَتُهُمْ … وَدَوْلَةٌ لِلنَّحَارِيرِ المَجَاوِيدِ

أَلكَاتِبُ الفَذُّ قَدْ أَلْقَى بَرَاعَتَهُ … بَعْدَ اصْطِحَابٍ طَوِيلِ العَهْدِ مَحْمُودِ

بَحْرٌ مِنَ الأَدَبِ الزَّخَّارِ مُصْطَفِقٌ … بِصَدْرِ أَرْوَعَ فِيه حِشْمَةُ الرُّودِ

تَرَاهُ فِي وَجْهِ مسْتَحْيٍ وَتُخْبِرُهُ … فَلَسْتَ تَخْبُرُ غَيْرَ النُّبْلِ وَالجُودِ

تُبْدي ظَوَاهِرُهُ مَا فِي سَرَائِرِهِ … وَقَدْ تَشِعُّ نُفُوسٌ فِي التَّجَالِيدِ

يَحْيَا وَدُوداً وَمَوْدُوداً كَأَحْسَنِ مَا … يَرْجُو وَهَلْ مِنْ وَدُودٍ غَيْرِ مَوْجُودِ

وَلَمْ يَكُنْ مَعَ لِينِ الطَّبْعِ وَاهِيَهُ … وَلَمْ يَكُنْ بِمُدَاجٍ أَوْ بِرِعْديدِ

وَرُبَّمَا صَالَ ذَوْداً عَنْ حَقِيقَته … فَجَالَ فِي الشَّوْطِ جَوْلاَتِ الصَّنَادِيدِ

جَارَى صِحَافَةَ مِصْرٍ مُنْذُ نَشْأَتِهَا … وَعِبْئُهَا مُرْهِقٌ فِي نَضْرَةِ العُودِ

بِالعَزْمِ وَالحَزْمِ يَسْتَوْفِي مَطَالِبَهَا … وَهَلْ بِغَيْرِهِمَا إِدْرَاكُ مَنْشُودِ

حَتَّى إِذَا آبَ مِنْ أَقْطَابِ نَهْضَتِهَا … وَسَدَّدَ الرَّأْيَ فِيهِ كُلَّ تَسْدِيدِ

أَجْرَى بِمَا يُخْصِبُ الأَلْبَابَ أَنْهُرَهَا … كَالنِّيلِ بِالخِصْبِ يَجْرِي فِي الأَخَاديدِ

وَعَلَّمَ الطَّيْرَ فِي أَفْنَانِ رَوْضَتِهَا … شَتَّى الأَفَانِينِ مِنْ شَدْوٍ وَتَغْرِيدِ

إِنَّ الصِّحَافَةَ مَوْسُوعَاتُ مَعْرِفَةٍ … يُزَوَّدُ العَقْلُ مِنْهَا خَيْرَ تَزْوِيدِ

تَزِيدُ أَخْبَارُهَا بِالنَّاسِ خِبْرَتَهُ … حَتَّى تُقَوِّم مِنْهُ كُلَّ تَأْوِيدِ

مَسْعُودُ مَهَّدَ فِي مِصْرَ السَّبِيلَ لَهَا … فَحازَ فَضْلَيْنِ مِنْ سَبْقٍ وَتَمْهِيدِ

ثُمَّ انْتَحَى مُرْصِداً لِلعِلمِ همَّتَهُ … مُتَابِعاً كُلَّ مَجْهْودٍ بِمَجْهُودِ

يُوعِي مَعَارِفَ أَلْوَاناً وَيُخْرِجُهَا … لَفْظاً وَمَعْنىً بِإِتْقَانٍ وَتَجْوِيدِ

فَمِنْ تَآلِيفَ لاَ تُحْصَى فَوَائِدُهَا … مَحْدُودَةٍ وَمَدَاهَا غَيْرُ مَحْدُود

وَمِنْ رَسَائِلَ فِي فَنٍّ وفِي لُغَةٍ … سِيقَتْ لإِقْرَارِ رَأْيٍ أَوْ لِتَفْنِيدِ

وَمِنْ مَبَاحِثَ فِي التَّارِيخِ شَائِقَةٍ … وَفِي البِحَارِ وَفِي الأَمْصَارِ وَالبِيدِ

وَفِي صِفَاتِ بَنِي الدُّنْيَا وَمَا اصْطَلَحُوا … عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِمْ مِنْ غَيْرِ مَعْهُودِ

وَفِي عَوَالِمِ أَفْلاَكٍ تُحِيطُ بِنَا … مَا بَيْنَ مُحْتَجِبٍ مِنْهَا وَمَرْصُودِ

هَدِيَّةٌ وَهُدىً مِنْهُ لأُمَّتِهِ … وَمَوْطِنٍ بَعْدَ وَجْهِ اللهِ مَعْبُود

مَسْعُودُ يَبْكِيكَ أَبْنَاءٌ بَرَرْتَ بِهِمْ … فَنُشِّئُوا نَشْأَةَ الغُرِّ الأَمَاجِيدِ

يَبْكِيكَ قَوْمٌ مَشَوْا وَالحُزْنُ يَشْمَلُهُمْ … فِي مَشْهَدٍ لَكَ يَوْمَ البَيْنِ مَشْهُودِ

يَبْكِيكَ إِخْوَانُ صِدْقٍ هَا هُنَا احْتَشَدُوا … يُنَوِّهُونَ بِفَضْلٍ غَيْرِ مَجْحُودِ

يَمْضِي الزَّمَانُ وَتَبْقَى فِي ضَمَائِرِهِمْ … خَلِيقَ ذِكْرَى بِتَكْرِيمٍ وَتَخْلِيدِ