من ناظرٌ لي بين سلعٍ و قباَ – مهيار الديلمي

من ناظرٌ لي بين سلعٍ و قباَ … كيف أضاء البرقُ أم كيف خباَ

نبهني وميضه ولم تنمْ … عيني ولكن ردَّ عقلا عزبا

قرتْ له بناتُ قلبي خافقا … و استبردته أضلعي ملتهبا

كأنه يجلو ثنايا بالغضا … روقاً وينهلُّ لمى أو شنبا

يا لعبدٍ من منى ً دنا به … يوهمني الصدقَ بريقٌ كذبا

و لنسيمِ سحرٍ بحاجرٍ … ردتْ به عهدَ الصبا ريحُ الصبا

ألية ما فتح العطارُ عن … أعبقَ منه نفساً وأطيبا

سل من يدلُّ الناشدين بالغضا … على الطريد ويردّ السلبا

أراجعٌ لي والمنى هلهلة ٌ … فطالعٌ نجمُ زمانٍ غربا

و طوفة ٌ بين القبابِ بمنى ً … لا خائفا عينا ولا مرتقبا

مستقبلاً بهاهنا وهاهنا … مقترعا على ّ أو مجتذبا

ألقى الوصالَ مسفراً لي وجههُ … و الغدرَ لي مع قبحهِ متنقبا

هناك منْ باعَ الغواني حلمهُ … بالخرقِ عدَّ الحازمَ المجربا

و لائمٍ ملتفتٍ عن صبوتي … ينكرها ولو أحبَّ لصبا

إذا نسبتُ بهواي ساءه … مصرحاً ولو كنيتُ غضبا

و ما عليه أن غرمتُ بابلا … بحاجرٍ و فاطما بزينبا

يلومني لا مات إلا لائما … أو عاش عاش بالهوى معذبا

قال عشقتَ أشيباً يعدها … منقصة ً نعم عشقتُ أشيبا

هل شعرٌ بدلتهُ بشعرٍ … مبدلي من أربٍ لي أربا

أبى الوفاءُ والهوى وبالغٌ … معذرة ً من سيمَ غدرا فأبى

ما أنا من صبغة ِِ أيامكمُ … و لا الذي إن قبلوه انقلبا

و لا ابنُ وجهين ألمُّ حاضرا … من الصديقِ وألومُ الغيبا

قلبيَ للإخوانِ شطوا أو دنوا … و للهوى ساعفَ دهرٌ أو نبا

من عاذري من متلاشٍ كلما … أذنبَ يوما وعذرتُ أذنبا

يضحكُ في وجهي ملء فمهِ … و إن أغبْ وذكرَ اسمي قطبا

يطيرُ لي حمامة ً فإن رأى … خصاصة ً دبَّ ورائي عقربا

ما أكثرَ الناسَ وما أقلهم … و ما أقلَّ في القليل النجبا

ليتهمُ إذ لم يكونوا خلقوا … مهذبين صحبوا المهذبا

فعلمتهم نفسهُ كيف العلا … و ودهُّ كيف الصديقُ المجتبى

و وردوا من خلقه ويدهِ … أبردَ ما بلَّ الصدى وأعذبا

مثل أبي المنصورَ فلتلذَّ لي ال … دنيا ولا سرَّ سواه ابنٌ أبا

أتركهُ لي غنيمة ً باردة ً … يا دهرُ واذهبْ ببنيك سلبا

اللهُ جارٌ لفتى ً أجارني … على زمانٍ لم أفتهُ هربا

و فرجتْ عنيّ يدا إسعادهِ … حوادثا ضغطنني ونوبا

لما رأى الأيام في صروفها … نارا تشبُّ ورآني حطبا

قام لها يصليَ بها وناشني … فلم أذق حداً لها ولا شبا

و صان وجهي لاقيا بوجهه … ذلَّ السؤالِ وكفاني الطلبا

عفتُ فلم أشربْ سوى أخلاقه … إذا كؤسَ الشرب دارتْ نخبا

و صحَّ لي جوهرة ً من معدنٍ … أملسَ لا ينبتُ إلا الذهبا

من معشرٍ تنمى العلا اليهمُ … هم أهلها والناسُ منها غربا

كما اقترحتَ حربهم وسلمهم … شدوا رباط الخيلِ أو شدوا الحبا

ساسوا يعدون الملوكَ واحتبوا … وسطَ الندى َّ يصفون العربا

يرضيك من حديثهم ساهدهم … و في القديم ما سألتَ الكتبا

إذا رجال طأطأَ اللؤمَ بهم … قعصاً فشموا بالأنوف الركبا

طالوا ينالون ثعالبَ القنا … تحسبُ ماشيهم بسوقاً ركبا

و حدثتْ فروعهم عن أصلهم … تحدث الناجم عما غربا

لبيك مشكورا كما لبيتني … و قد دعوتُ قذفاً لا كثبا

و كنتَ لي بابا إلى مطالبي … لولا قعود الحظّ بي وسببا

تعجبَ الناسُ وقد وليتها … أكرومة ً فقلتُ لا لا عجبا

عينيَ مني ويدي فهل ترى … يفوتني ما سلما ما طلبا

و كيف لا تحفزهُ لأربي … مودة ٌ تمت فعادت نسبا

و مقة ٌ لو خلصتْ لابنِ أبي … منى هزَّ عطفه وطربا

و إن يكن هومَ فيها ناسيا … و عاجَ عن طريقها وجنبا

و قدحتْ في أملي عندهمُ … قادحة ٌ لم يك فيها مذنبا

فقد قبلتُ العذرَ أو قتلتهُ … علما وقد عاتبته فأعتبا

و استقبل الرأيَ وأعطى ذمة ً … تصفحُ للآنفِ عما ذهبا

فاشكر لها وكالة ً منيَّ على … نفسيَ واقض دينها إذ وجبا

من لك مثلي بأخٍ مسامحٍ … ترضيه بالعذرِ إذا ما غضبا

و احذر على مجدك أخرى تنتقي … عظم الوفاءِ وتجرُّ الريبا

شمرْ عن الساقين في استداركها … و امحُ بوادي شرها معتقبا

و لا يزالُ أملي يقنعُ لي … بدون ما سدّ خصاصي نشبا

ذاك ودعني شاكيا وسائلا … و خذْ حديثي منسبا

كان جناحُ الشوق أمس طائري … منسرا في كبدي مخلبا

و أكلَ البينُ سمينَ جلدي … حتى غدا سنامُ صدري ذنبا

بانَ بك العيشُ الذي يسرني … و عاد لما عدتَ لي مقتربا

قال البشير قادماً فقلتُ منْ … قال أبو منصورَ قلتُ مرحبا

و قمتُ لا أملكُ ما يسعهُ … غير نعمتَ من جزاءٍ وحبا

أرشفُ من فيه مكانَ اسمك لا … أحسبني أرشفُ إلا الضربا

عطفٌ من الأيام لي ونظرٌ … جاء وما كنتُ له محتسبا

لكنني بالبعدِ في أثنائه … أصبحُ أو أمسى مروعا متعبا

إذا اطمأنتْ أضلعي تذكرتْ … نواك فاهتزتْ جوى لا طربا

فادفعْ به صدرك ما استطعتهُ … يوما تردّ شملَ أنسى شعبا

راخِ يديكَ في امتدادِ حبلهِ … و طاول الوقتَ به أن يجذبا

و خفْ على قلبي غداً من وقفة ٍ … يكون لي فيها الوداعُ العطبا

و لا تدعني أسأل الركبانَ عن … قلبٍ دوٍ وأستطبُّ الكتبا

لا أقفرتْ منكَ ربوعٌ عمرتْ … أنسا ولا أيبسَ عيشٌ رطبا

و لا برحتَ مالكا مقتسرا … نواصيَ الإقبالِ أو مغتصبا

حتى يكونَ باديا وحاضرا … بين النجوم بانياً مطنبا