مكانكَ يا بدرٌ وإنْ كنتَ واشياً – مصطفى صادق الرافعي

مكانكَ يا بدرٌ وإنْ كنتَ واشياً … لعلكَ تروي عندها بعضَ ما بيا

مكانكَ يا بدرٌ لأشكوَ حبّها … وتشهدُ عندَ اللهِ عن كنتَ رائيا

مكانكَ لا تعجلْ لتحضرَ ساعتي … فإني أرى ساعاتِ عمري ثوانيا

ويا بدرُ خذ عيني فذاكَ سريرُها … وتلكَ وإن لمْ أدعُها باسمِها هيا

أغارُ عليها أن تقابلَ وجهها … فتنقلَ عنهُ للوشاةِ معانيا

وأخشى عليها من شعاعكَ مثلما … يخافُ على النفسِ الجبانُ المواضيا

فإني أرى جسماً لو أن مدامعي … جرينَ عليهِ أصبحَ الجسمُ داميا

وما عجبي إلا من البدرِ يدعي … تمنع ليلى ثمَّ ألقاهُ عاريا

فيا بدرُ إني موضعُ الصنعِ فاتخذْ … يداً لكَ عندي تلقني الخيرَ جازيا

وذي قبلةُ مني إليها فألقها … على فمها وارجعْ بأنفاسها لِيا

وإن لم يكن في الحسنِ إلا عواذلٌ … فيا بدرُ كنْ خيراً عذولاً وواشيا

أذِع حسنَها في كلِّ أفقٍ تنيرُهُ … وأحصِ علينا ما حيينا اللياليا

كأنَّ الهوى قد خُطّ قبل وجودنا … كتاباً على ما يلبثُ الكونُ باقيا

لهُ البدرُ عنوانٌ وقد امستِ السما … صحائفُ فيهِ والحروفُ الدراريا

وإني قسمتُ الروعَ شطرينِ واحدٍ … بجسمي وشطرٍ عندها لا يرانيا

ولا بدَّ من يومٍ تعودُ لأصلها … فإمَّا بوصلٍ بيننا أو فنائيا

ولم أرَ غيري بعضُهُ خانَ بعضَهُ … فأصبحَ مشغولاً واصبحَ خاليا

بربّكِ يا نفسي وربُّكِ شاهدٌ … أتهنئةٌ كانَ الهوى أم تعازيا

وهلْ ذكرتني هندُ يوماً فأشفقتْ … لما بي وحاكتني بكا أو تباكيا

وهلْ حدثتها نفسُها أنني بها … شديدُ الهوى أو أنني بتُّ ساليا

يكادُ يفيضُ القلبُ من ذكرها دماً … لأكتبَ منهُ في هواها القوافيا

وتذهبُ نفسي حسرةً إن رأيتُها … وأُصرعُ وجداً كلما قالتْ آه يا

ولو أنني أرجو لهانتْ مصائبي … ولكن منها أنني لستُ راجيا

فيا من تجير النومَ مني جفونُها … أجيري إذنْ من ذي الجفونِ فؤاديا

تحرمُ عيني ما لعينيكِ مثلما … تَجَنَّبُ مولاها العبيدُ تحاشيا

وأقسمُ لو تبكينَ يوماً من الهوى … لما كنتُ إجلالاً لجفنيكِ باكيا

أما لي عذرُ في الغرامِ وأعيني … ترى كلَّ شيءٍ فيكِ للحبِّ داعيا

وقد رفعتكِ الناسُ حتى ظننتهم … لأجلكِ يدعونَ النجومَ جواريا

وكم أتصابى فيك حتى كأنما … وجدتكِ حسناً قد تحلتْ تصابيا

فلو سألوني عن أمانيَّ لم أزد … على أن تميتني وأخلقُ ثانيا