مطر – عدنان الصائغ

“السماءُ تنسربُ مطراً

أنا عالقٌ بأفواهكنَّ

أيّتُها السيِّداتُ، يا قلوباً من الخَلِّ

الحادِ”

الشاعر انطونان أرتو

(1896 ـ 1948)

.

.

.

الشوارعُ مُبلَّلَةٌ وذكرياتي أيضاً

وأنتِ على الرصيفِ، وحدكِ، بمظلّتكِ الملوّنةِ

الشوارعُ نايٌ حزينٌ

وقلبي وحدهُ يُصغي لمعزوفةِ خطوكِ المطريِّ

بينما تدثّرتِ الأشجارُ الهرمةُ

بشيخوختها الصفراء، ونثارِ البردِ

وبدأتْ تُدخِّنُ بشراهةٍ أحلامَها الخضراءَ الماضيةَ

وتثرثرُ عن الحشائشِ العاقّةِ، وزعيقِ السَيَّاراتِ،

وأمراضِ الشيخوخةِ، والبردِ، وعَبَثِ عمّالِ الكهرباءِ

أتأمَّلُ على الرصيفِ المقابلِ ارتجافَ الغُصُونِ ولا مبالاتِكِ

وخطى العابرين الهاربةِ من المطرِ…

يا للباصِ الذي مرَّ ولمْ يلتفتْ

يا للمطرِ الذي لمْ ينقطعْ عن الغناءِ والشماتةِ

يا لقلبي الذي لم يُجَفِّفْ قميصَهُ المُبلَّلَ بكِ

ويا لخطاكِ التي…

(رنَّ الهاتفُ…

هلو…

وتصاعدَ قلبي فجأةً كغيمةٍ مجنونةٍ من حنينٍ

هلو… هلو…

سرعان ما تناثرتْ إلى شظايا من الكريستالِ المحطّمِ

حين امتدَّ الصمتُ طويلاً

وانطبقتِ السمّاعةُ…

تحسَّستُ الأسلاكَ بين أصابعي المضْطَرِبة

كانتْ ساخنةً تنبضُ بقوةٍ كشريانٍ مقطوعٍ للتوِّ…

إلى أين أتجهُ بأحزاني

وأنتِ بعيدةٌ عَنِّي

لماذا لمْ أقلْ لها ذاك

لماذا لا أقولُ لها أنَّ أيّامي رمادٌ

وذاكرتي قاربٌ مثقُوبٌ

وقلبي مصعدٌ عاطلٌ

لماذا لا أقولُ لها

يا أجملَ عينين على الإطلاقِ

إنَّنِي بلا عينيك لا أستطيعُ أنْ أَكْتُبَ بيتاً واحداً

( هلو…

لمْ تنطبقِ السمّاعةُ هذه المرّة

امتدَّ الصمتُ طويلاً

امتدَّ طويلاً جداً

كانتْ تُصغي على الخطِّ لصوتِ أنفاسي المتقطّعةِ

وكنتُ أسمعُ على الخطِّ الآخرِ

.. إيقاعَ المطرِ……

……………….)