مضى الدهر بابن إمام اليَمَنْ – أحمد شوقي
مضى الدهر بابن إمام اليَمَنْ … وأودى بزين شبابِ الزمنْ
وباتت بصنعاءَ تبكي السيوفُ … عليه، وتبكي القنا في عدن
وأَعْوَلَ نجدٌ، وضجَّ الحجازُ … ومالَ الحسينُ، فعزَّ الحسن
وغصَّتْ مناحاه في الخيام … وغصَّتْ مآتمه في المدن
ولو أنّ ميتاً مشى للعزاء … مشى في مآتمه ذو يَزن
فتًى كاسمِه كان سيفَ الإله … وسيفَ الرسولِ، وسيفَ الوطن
ولقِّبَ بالبدرِ من حسن … وما البدرُ؟ ما قدرُه؟ وابنُ مَنْ؟
عزاءً جميلاً إمامَ الحِمَى … وهونْ جليلَ الرزايا يهن
وأَنتَ المُعانُ بإيمانه … وظنُّك في الله ظنُّ حسن
ولكن متى رقَّ قلبُ القضاء؟ … ومن أَيْن لِلموتِ عقلٌ يَزِن؟
يجامِلُك العربُ النازحون … وما العربيَّة ُ إلا وطن
ويجمَعُ قومك بالمسلمين … عظيمُ الفروضِ وسمحُ السن
وأَنَّ نبيَّهمُ واحدٌ … نبيُّ الصوابِ، نبيُّ اللَّسَن
ومصرُ التي تجمع المسلمين … كما اجتمعوا في ظلال الرُّكُن
تعزِّي اليمانينَ في سيفهم … وتأْخذ حِصَّتَها في الحَزَن
وتَقعُد في مأْتم ابنِ الإمامِ … وتبكيه بالعَبرات الهُتُن
وتنشر ريحانتي زنبقٍ … من الشِّعرِ في رَبَواتِ اليمن
تَرِفَّانِ فوقَ رُفاتِ الفقيدِ … رفيفَ الجنى في أَعالي الغُصُن
قَضَى واجباً، فقضَى دونَه … فتى ً خالص السر، صافي العلن
تطوَّحَ في لُجَجٍ كالجبال … عِراضِ الأَواسِي طِوَالِ القُنَن
مشى مشية َ الليثِ، لا في السلاح … ولا في الدُّروع، ولا في الجُنَن
متى صرتَ يا بحرُ غمدَ السيوفِ … وكنا عَهدناك غِمدَ السُّفن؟
وكنتَ صوانَ الجمانِ الكريمِ … فكيف أزيلَ؟ ولمْ لمْ يصن؟
ظفرتَ بجوهرة ٍ فذَّة ٍ … من الشرف العبقريِّ اليُمُن
فتًى بذَلَ الروحَ دونَ الرِّفاق … إليكَ، وأَعطى الترابَ البَدن
وهانتْ عليه ملاهي الشبابِ … ولولا حقوقُ العلا لم تهن
وخاضَك يُنقِذُ أَترابَه … وكان القضاءُ له قد كَمَن
غدرتَ فتى ً ليس في الغادرين … وخنتَ امرأ وافياً لم يخن
وما في الشجاعة ِ حَتْفُ الشجاعِ … ولا مدَّ عمر الجبان الجبن
ولكن إذا حانَ حينُ الفتى … قَضَى ، ويَعيش إذا لم يَحِن
ألا أيهذا الشريفُ الرضيُّ … أبو السمراء الرماحِ اللدن
شهيدُ المُروءَة ِ كان البَقِيعُ … أحقَّ به من تراب اليمن
فهل غَسَّلوه بدمعِ العُفاة ِ … وفي كلِّ قلبٍ حزينٍ سكن؟
لقد أَغرقَ ابنكَ صرْفُ الزمانِ … واغرقْتَ أَبناءَه بالمِنن
أَتذكر إذ هو يَطوِي الشهورَ … وإذ هو كالخشفِ حلوُّ أغنّ؟
وإذ هو حولك حسنُ القصورِ … وطِيبُ الرياضِ، وصَفْوُ الزمَن؟
بشاشتُه لذَّة ٌ في العيون … ونَغْمتُه لذَّة ٌ في الأذن؟
يلاعب طرَّتهُ في يديكَ … كما لاعبَ المهرُ فضل الرسن؟
وإذ هو كالشبل يحكي الأسودَ … أدلّ بمخلبه وافتتن؟
فشبَّ، فقامَ وراءَ العرينِ … يَشُبّ الحروبَ، ويُطفِي الفِتَن؟
فما بالُه صار في الهامدين … وأمسى عفاءً كأنْ لم يكنْ؟
نظَمْتُ الدموعَ رِثاءً له … وفصَّلْتُها بالأَسَى والشَّجَن