مرحى غيلان – بدر شاكر السياب

ينساب صوتك في الظلام إليّ كالمطر الغضير
ينساب من خلل النعاس و أنت ترقد في السرير
من أي رؤيا جاء أي سماوة أي انطلاق
و أظل أسبح في رشاش منه أسبح في عبير
فكأن أودية العراق

فتحت نوافذ من رؤاك على سهادي كلّ واد
وهبته عشتار الأزاهر و الثمار كأنّ روحي
في تربة الظلماء حبة حنطة و صداك ماء
أعلنت بعثي يا سماء

هذا خلودي في الحياة تكنّ معناه الدماء
بابا كأنّ يد المسيح
فيها كأن جماجم الموتى تبرعم في الضريح
تموز عاد بكل سنبلة تعابث كل ريح

بابا بابا
أنا في قرار بويب أرقد في فراش من رماله
من طينه المعطور و الدم من عروقي في زلاله
ينثال كي يهب الحياة لكل أعراق النخيل

أنا بعل أخطر في الجليل
على المياه أنث في الورقات روحي و الثمار
و الماء يهمس بالخرير يصل حولي بالمحار
و أنا بويب أذوب في فرحي و أرقد في قراري

بابا بابا
يا سلم الأنغام أيّة رغبة هي في قرارك
سيزيف يرفعها فتسقط للحضيض مع انهيارك
يا سلم الدم و الزمان من المياه إلى السماء

غيلان يصعد فيه نحوي من تراب أبي و جدي
و يداه تلتمسان ثم يدي و تحتضنان خدّي
فأرى ابتدائي في انتهائي
بابا بابا

جيكور من شفتيك تولد من دمائك في دمائي
فتحيل أعمدة المدينة
أشجار توت في الربيع و من شوارعها الحزينة
تتفجر الأنهار أسمع من شوارعها الحزينة

ورق البراعم و هو يكبر أو يمص ندى الصباح
و النسغ في الشجرات يهمس و السنابل في الرياح
تعد الرّحى بطعامهنّ
كأنّ أوردة السماء

تتنفّس الدم في عروقي و الكواكب في دمائي
يا ظلي الممتد حين أموت يا ميلاد عمري من جديد
الأرض يا قفصا من الدم و الأظافر و الحديد
حيث المسيح يظل ليس يموت أو يحيا كظلّ

كيد بلا عصب كهيكل ميت كضحى الجليد
النور و الظلماء فيه متاهتان بلا حدود
عشتار فيها دون بعل
و الموت يركض في شوارعها و يهتف يا نيام
هبوا فقد ولد الظلام
و أنا المسيح أنا السلام
و النار تصرخ يا ورود تفتحي ولد الربيع
و أنا الفرات و يا شموع
رشي ضريح البعل بالدم و الهباب و بالشحوب
و الشمس تعول في الدروب
بردانة أنا و السماء تنوء بالسحب الجليد
بابا بابا
من أيّ شمس جاء دفؤك أي نجم في السماء
ينسلّ للقفص الحديد فيورق الغد في دمائي