ما لي وَ للدارِ منْ ” ليلى ” أحييها – محمود سامي البارودي

ما لي وَ للدارِ منْ ” ليلى ” أحييها … وَقَدْ خَلَتْ مِنْ غَوَانِيهَا مَغَانِيهَا؟

دَعِ الدِّيَارَ لِقوْمٍ يكْلَفُونَ بِهَا … وَ اعكفْ على حانة ٍ كالبدرِ ساقيها

كمْ بينَ دائرة ٍ أقوتْ معالمها … وَبَيْنَ عَامِرَة ٍ تَزْهُو بِمَنْ فِيهَا؟

هَيْهَاتَ، مَا الدَّارُ تُشْجِينِي بِسَاحَتِهَا … وَإِنَّمَا الدَّارُ تُشْجِينِي بِأَهْلِيهَا

فَخَلِّ هَذَا، وَخُذْ فِي وَصْفِ غَانِيَة ٍ … سَرَتْ بِحُلْوَانَ فِي قَلْبِي سَوَارِيهَا

ريانة ُ القدَّ ، لوْ أنَّ الضجيجَ لها … خَافَ الْعُيُونَ عَلَيْهَا كَادَ يَطْوِيهَا

في نشوة ِ الخمرِ سرٌّ منْ مراشفها … وَ في الأراكة ِ شكلٌ منْ تهاديها

يَا لَيْلَة ً بِتُّ أُسْقَى مِنْ بَنَانَتِهَا … وَ منْ لواحظها خمراً ، وَ منْ فيها

أَحْيَيْتُهَا، وَأَمَتُّ النَّوْمَ مُعْتَصِماً … بِلَذَّة ٍ لاَ يَكَادُ الدَّهْرُ يُنْسِيهَا

حَتَّى إِذَا رَفَّ خَيْطُ الْفَجْرِ، وَابْتَدَرَتْ … حمائمُ الأيكِ تشدوِ في أغانيها

قَامَتْ تَمَايَلُ سَكْرَى فِي مَآزِرِهَا … وَ الروعُ يبعثها طوراً ، ويثنيها

تَخْشَى الضِّيَاءَ وَفِي أَزْرَارِهَا قَمَرٌ … يَسْتَوقِفُ الْعَيْنَ حَيْرَى فِي مَجَارِيهَا

ثمَّ انْثَنَتْ وَيَدِي قَيْدٌ لِخَاصِرَة ٍ … كالخيزرانة ِ رياً في تثنيها

في بلجة ٍ لاَ تكادُ العينُ تنكرها … وَسُمْرة ٍ رُبَّمَا شَفَّتْ نَوَاحِيهَا

حتى تجاوزتُ أحراساً على َ شرفٍ … يكادُ يمنعُ همَّ النفسِ داعيها

وَحَرَّكَتْ حَلَقَاتِ الْبَابِ، فَانْفَتَحَتْ … عنْ ساحة ٍ سكنتْ فيها تراقيها

فَعُدْتُ وَالْعَيْنُ غَرْقَى فِي مَدَامِعِهَا … وَالْقَلْبُ فِي لَوْعَة ٍ تَنْزُو نَوَازِيهَا

فيا لها ليلة ً كانتْ بوصلتها … تَارِيخَ لَهْوٍ يَهِيجُ النَّفْسَ رَاوِيهَا