ما لهم يا قبرُ قد جدُّوا انصرافا – حيدر بن سليمان الحلي

ما لهم يا قبرُ قد جدُّوا انصرافا … بعدما قد دفنوا فيك العفافا

وحثوا منك على عين العُلى … تربة ً تستافها الحورُ استيافا

نفضوا تربك والصبرَ معاً … عن يدٍ تمسكُ أكباداً لهافا

وردوا أمس ثقالاً بالجوى … فبماذا صدروا اليوم خفافا؟

هل أعادوا معهم ما أخذوا … من حشاشات تبقّوها لهافا

لا ومَن قد طهَّر الماءَ بها … مذ لها مطلقه كان مضافا

والتي راحَ الحيا ملتحفاً … معها طاهرَ برديها التحافا

بل أعادوا جمرة الوجد إلى … أضلع باتت عليها تتجافى

حجب القبرُ ابنة الوحيِ التي … شرفُ الذكر بعلياها أنافا

من كريماتٍ على الله لها … ضرب العصمة خدراً وسجافا

لم تلد إلا الذي يسقي كلا … ما نحى سجليه شهداً وذعافا

والتي ما مدَّت العليا على … مثلها يوماً لتخدير طرافا

صاح هل تعلمُ لمّا أفردت … وامتلى القبرُ ضجيجاً وهتافا

أبذاك الترب وأروا فاطماً … أم إليها العالمُ القدسيُ وافى

ونعم فيه توارت شعبة ٌ … من حشاها اختطفت منها اختطافا

ساقها الحتفُ ولكن بعدما … شق من صدر الهدى عنها الشغافا

وعليها مسح الوجدُ ضحى ً … مقلة ً عمياء لا تدري الجفافا

أوحشت من أمّ شبلٍ غابة ً … لو بها مرَّ أبو شبلٍ لخافا

كعبة التخدير إلا أنها … خلقت للملأ الأعلى مطافا

دارُ قدسٍ أودع الله بها … خيرَ أهل الأرض نسكاً وعفافا

قل لمن رام انحرافاً عنهم … ضلَّ من يبغي عن الحق انحرافا

سادة ٌ للرشد في مهدِّيهم … جعل اللهُ من الغيِّ انتصافا

كلُّهم أبحرُ علمٍ طفحت … فاغترف من أبِّهم شئتَ اغترافا

فضلوا الخلقَ أكفاً سحباً … رفع المحلَ وأخلاقاً سلافا

أسكرتْ في حبهم حتى العدى … فهي الصهباء لطفاً وارتشافا

كرماءٌ لِقرى أضيافهم … ينحرون البدرَ لا البدنَ العجافا

آمنوا في الله من آمنه … وأخافوا من له الله أخافا

يا ذوي الحلم وفيكم رقة ٌ … فقتم فيها حنوَّاً وانعطافا

إنما هزَّت قنا صبركُم … نكبة ُ الدهر فزادتها ثقافا

وعلى زحف الليالي لاشكت … أبداً أبيات علياكم زحافا