ما كنتُ لولا طمعي في الخيالْ – مهيار الديلمي
ما كنتُ لولا طمعي في الخيالْ … أنشدُ نومي بين طول الليالي
أسأل عيني كيف طعمُ الكرى … علالة ً وهو سؤالٌ محالْ
وكيف بالنوم على الهجر لي … والنومُ من شرط ليالي الوصال
لله أجفانٌ ذرعنَ الدجى … وهي قصارٌ والليالي طوالْ
كأنها من قصرٍ بعضها … يطلب بعضاً بقوى ً لا تنالْ
لكنّ لمياءَ على ضنّها … ترخص في الأحلام لي كلَّ غالْ
تسرى فإما هي أو راقني … شبهٌ لها أو سرَّ عيني مثالْ
وليلة ٍ عطَّر أرواحها … طيفٌ لها لم أك منه ببالْ
بيَّض مسراه سوادَ الدجى … حولى وصحبى شعُثٌ في الرحالْ
بمشرق اللَّباتِ دانت له … شهبُ الدراري قبلَ بيض المحالْ
يجلو العشا مختمرا مسفرا … فتارة ً بدرا وطوراً هلالْ
جاءت تثنَّى بين ريحانة ٍ … تفتقُ مسكا وكثيبٍ يهالْ
فلا وعينيها وأردافها … وشقوة ِ الدِّعصِ بها والغزالْ
ما قدَّها هزّ نسيمُ الصَّبا … وإنما ميَّل غصنا فمالْ
حتى إذا الليل قضى ما قضى … خفّت مع الفجر خطاها الثّقالْ
وابتدرتْ تغنم فضلَ الدجى … سبقَ مغاوير النجوم التوالْ
أبكي وتبكي غير أنّ الأسى … دموعهُ غير دموع الدلالْ
ظلٌّ من العيش نعمنا به … لكنّه ظلٌّ مع الصبح زالْ
وموسمٌ للَّهوِ كاثرته … بفتية ٍ مثل صدور العوالْ
كلّ وجيه الوجه رحبِ الجدا … معذَّل السمع رضيّ الخصالْ
يرعيك من آدابه روضة ً … جرَّ عليها المزنُ ذيلَ الشَّمالْ
يبذلُ في الراح اللُّها عادلا … ما وزن الخمَّارُ منها وكالْ
أشهدُ منه وقعاتِ الصِّبا … بفاتكٍ ساعة َ يدعى نزالْ
وحاجة ٍ بكرٍ تناولتها … وبابها أعسرُ عالى المنالْ
وسعتها حتى تقنّصتها … بدربتي في مثلها واحتيالْ
أيّام أدلو بشبابي فلا … أرجعُ إلا مترعاتٍ سجالْ
حتى تعمّمتُ بمفروعة ٍ … تجمعُ بين الذلِّ واسمِ الجلالْ
تراجعُ الأبصارُ وفضاً لها … عنّى بقاسٍ أن يراني وقالْ
صبيغة سوداء بيّضتها … نصولها في الرأسِ وقعُ النصالْ
واقتصّ حقُّ الشَّيب من باطلي … فتلك حالي وليَ اليومَ حالْ
وماجد الآباء في منصبٍ … تأوي إليه درجاتُ المعالْ
أبلج حرّ العرض إن دوخلت … أحسابهم أو هجِّنتْ بالموالْ
ترى سماتِ الملك أنوارها … شاهدة ٌ في قوله والفعالْ
أعلقته الودّ ومحضَ الهوى … بمحكماتٍ محصداتِ الحبالْ
حبّا وإن لم تدنني زورة ٌ … منه ولم يبردْ غليلي وصالْ
أهجره غيرَ جليدٍ على … هجرٍ وأجفوه لغير الملالْ
وأحسد الشُّرَّاعَ في حوضه … وما لذودي ظامئا من بلالْ
لكنّها من شيمي عادة ٌ … لم أغشَ بابا لم يهبْ بي تعالْ
تبارك الجامعُ آياته … في كاملٍ حتى وفى بالكمالْ
تدرسُ آثار القرون الألى … فاتوا وأخبار السنين الأوالْ
فلا ترى في رجلٍ مثله … تقوم عنه أمّهاتُ الرجالْ
صادفت النعمة ُ منه فتى ً … لاقت بعطفيه الأمورَ العوالْ
جاءته بين الحقّ من إرثه … وبين كسبٍ بالمساعي حلالْ
جاورها بالشكر حفظا لها … والبشرِ والمعروفِ قبل السؤالْ
فهي مذ استذرتْ إلى ظلّه … في وطنٍ لم تنوِ عنه انتقالْ
وغيرهُ تنفرُ نعماؤه … تطلّعا عنه ليوم الزِّيالْ
وزاده الإسعادُ من نفسه … ما لم يكن في ظنّ عمّ وخالْ
إن أظلم الدهر فعزماتهُ … توقُّدٌ في أفقه واشتعالْ
أو خبتْ الآراءُ من حيرة … فرأيه بلجة ُ ليلِ الضلالْ
طلائعُ الإقبال من وجهه … في جدّة ٍ من عمره واقتبالْ
وجهٌ على ماء الحياء التقتْ … غرائبُ البشرِ به والجمالْ
نضارة ُ الدنيا وإشراقها … تجول منه في فسيح المجالْ
بكاملٍلا عدمتْ كاملا … ألقحت الدولة ُ بعد الحيالْ
دارت رحاها في يديه فما … ذمّت مجارى قطبها والثِّفالْ
وجهك في غمّائها فرجة ٌ … تجلو وآراؤك فيها ذبالْ
كم عثرة ٍ للملك أنهضتها … لولاك كانت عثرة ً لا تقالْ
وصرعة ٍ شارف منها الردى … وطال من داء ضناها المطالْ
أوليتَ إقبالك تدبيرها … فطبَّها والداءُ داءٌ عضالْ
نصرته فردا وأنصاره … قد سلّموا للخصم قبل الجدالْ
وجفّت الأقلامُ في صحفه … يأسا وخانته سيوفُ القتالْ
كان جباناً فتقدّمته … وصلتَ بين يديه فصالْ
رحّلته نهضا إلى عزّه … والناس يلحونك في الارتحالْ
فكان بالله ورغم العدا … إلى التي حاولتَ أنت المآلْ
لذاك قد أضحت مقاليده … تجري على أمرك جري المحالْ
علوتَ في الحقّ بكعبيك وال … هاماتُ تهوي كمداً في سفالْ
بلّغ زمانا سامني مطمعا … في الرفد أن تعلى يدي أو تطالْ
كم قد تجاذبنا على مثلها … قدما فهل روّضتني للسؤال
ورمتَ حطّى باستلاب الغنى … منى فهل حطَّت رواسي الجبال
لو ذلّ ظهري للأيادي لقد … حبيت منها بالجسام الثقالْ
أو شئتُ أغناني من أسرتي … مالُ كريمٍ يده بيتُ مالْ
يداه في الجود يمينان وال … أكفّ معْ كلّ يمينٍ شمالْ
لذَّ له الحمدُ فعاف الثرا … وقلّما تنمى مع الحمد حالْ
لو عيب بالجود وإفراطه … معطٍ رأى العائبُ فيه مقالْ
تلامُ في النَّيلِ وهل ينبغي … للمنع كفّ خلقتْ للنوالْ
يزدحم الوفدُ على بابه … تزاحمَ الحجّ بسفحي ألالْ
مباركٌ تجمدُ كفّ الحيا … بخلا إذا واديه بالجود سالْ
كأنما الأرضُ وليست له … له ومن فيها عليه عيالْ
جوهرة ٌ في الدهر شفّافة ٌ … من كرم الأصل وطيبِ الخلالْ
يمزج صرفَ الكأس في كفّه … من خلقه العذبِ بماءٍ زلالْ
أبا الوفاء اسمع لها رقية ً … أفئدة ُ العصمِ بها تستمالْ
أرخصَ منها الودُّ ممنوعة ً … غلتْ فلم يقدر عليها المغالْ
مصونة لولا شفيعُ الهوى … فيك إليها فركت أن تذالْ
أمكنك الإقبالُ من قودها … ورأسها صعبٌ على الانفتالْ
كم من ملوك الأرض من راغبٍ … يخطبها منّى كريمِ البعالْ
رددته عنها بسخطٍ فلم … أبلْ به وهو بمنعى مبالْ
لكن تخيّرتك كفؤالها … لأنها منك على كلّ حالْ
وإن تصارمنا فما بيننا … وشائجٌ ليس لهنّ انفصالْ
تلاحم القربى وإني وإ … ياك لنرمي عن قبيلٍ وآلْ
فانعم بما يعمرُ مجدَ الفتى … ويرفعُ البيتَ وإن كان عالْ
وبعنى الودَّ بها صافيا … فإنه عندي أسنى منالْ
إن بزَّ منها المهرجانُ الذي … ودَّعَ أو عطّلَ فالعيدُ حالْ
زارتك في اليوم الذي خصّني … إذ عاق عما خصّك الإشتغالْ
جاءك شوالٌ بها غرّة ً … فاجتلها مقرونة ً بالهلالْ
لم تغلُ في وصفك معْ طولها … بل وجدَ الشعرُ مقالا فقالْ