ما بعدَ يومك سلوة ٌ لمعلَّلِ – مهيار الديلمي
ما بعدَ يومك سلوة ٌ لمعلَّلِ … منّي ولا ظفرتْ بسمعِ معذَّلِ
سوّى المصابُ بك القلوبَ على الجوى … فيدُ الجليدِ على حشا المتململِ
وتشابه الباكون فيك فلم يبن … دمعُ المحقِّ لنا من المتعمِّلِ
كنَّا نعيَّر بالحلوم إذا هفتْ … جزعا ونهزأ بالعيون الهمَّلِ
فاليومَ صار العذرُ للفاني أسى ً … واللومُ للمتماسك المتجمِّلِ
رحل الحمام بها غنيمة َ فائزٍ … ما ثار قطّ بمثلها عن منزلِ
كانت يدَ الدين الحنيف وسيفه … فلأبكينَّ على الأشلِّ الأعزلِ
مالي رقدتُ وطالبي مستيقظٌ … وغفلتُ والأقدارُ لمّا تغفُلِ
ولويت وجهي عن مصارع أسرتي … حذرَ المنية ِ والشفارُ تحدُّ لي
قد نمَّت الدنيا إليّ بسرها … ودللتُ بالماضي على المستقبلِ
ورأيتُ كيف يطير في لهواتها … لحمى وإن أنا بعدُ لمَّا أوكلِ
وعلمتُ معْ طيبِ المحلِّ وخصبهِ … بتحوّل الجيران كيف تحوّلي
لم أركب الأمل الغرورَ مطيّة ً … بلهاءَ لم تبلغ مدى ً بمؤمِّلِ
ألوي ليمهلني إليّ زمامها … ووارءها ألهوبُ سوقٍ معجلِ
حلمٌ تزخرفه الحنادس في الكرى … ويقينه عند الصباح المنجلي
أحصي السنينَ يسرُّ نفسي طولُها … وقصيرُ ما يغنيك مثلُ الأطولِ
وإذا مضى يومٌ طربتُ إلى غدٍ … وببضعة ٍ منى مضى أو مفصلِ
أخشنْ إذا لاقيتَ يومك أو فلنْ … واشددْ فإنك ميّتٌ أو فاحللِ
سيّان عند يدٍ لقبض نفوسنا … ممدودة ٍ فمُ ناهشٍ ومقبِّلِ
سوّى الردى بين الخصاصة ِ والغنى … فإذا الحريص هو الذي لم يعقلِ
والثائر العادي على أعدائه … ينقاد قود العاجز المتزمِّلِ
لو فلُّ غربُ الموت عن متدرِّعٍ … بعفافه أو ناسكٍ متعزِّلِ
أو واحدِ الحسناتِ غيرَ مشبَّهٍ … بأخٍ وفردِ الفضل غيرَ ممثَّلِ
أو قائلٍ في الدين فعّالٍ إذا … قال المفقّه فيه ما لم يفعلِ
وقت ابن نعمانَ النزاهة ُ أو نجا … سلما فكان من الخطوب بمعزلِ
ولجاءه حبُّ السلامة مؤذنا … بسلامة من كل داءٍ معضلِ
أو دافعتْ صدرَ الردى عصبُ الهدى … عن بحرها أو بدرها المتهلِّلِ
لحمتهُ أيدٍ لا تنى في نصره … صدقَ الجهاد وأنفسٌ لا تأتلي
وغدت تطارد عن قناة لسانه … أبناءُ فهرٍ بالقنيِّ الذُّبَّلِ
وتبادرتْ سبقا إلى عليائها … في نصر مولاها الكرامُ بنو علي
من كلِّ مفتول القناة بساعدٍ … شطبٍ كصدر السمهريّة أفتلِ
غيرانَ يسبقُ عزمه أخباره … حتى يغامرَ في الرَّعيل الأوّلِ
وافى الحجا ويُخال أنّ برأسه … في الحرب عارضَ جنَّة ٍ أو أخبلِ
ما قنَّعتْ أفقا عجاجة ُ غارة ٍ … إلا تخرَّق عنه ثوبُ القسطلِ
تعدو به خيفانة ٌ لو أشعرتْ … أن الصهيلَ يجمُّها لم تصهلِ
صبّارة ٌ إن مسّها جهدُ الطَّوى … قنعتْ مكانَ عليقها بالمسحلِ
فسروا فناداهم سراة ُ رجالهم … لمجسَّدٍ من هامهم ومرجَّلِ
وبعداءُ عن وهن التواكل في فتى ً … لهمُ على أعدائهم متوكِّلِ
سمحٍ ببذل النفس فيهم قائمٍ … لله في نصر الهدى متبتِّلِ
نزَّاع أرشية التنازع فيهمُ … حتى يسوقَ إليهم النصّ الجلي
ويبين عندهم الإمامة نازعاً … فيها الحجاجَ من الكتاب المنزلِ
بطريقة ٍ وضحتْ كأنْ لم تشتبه … وأمانة ٍ عرفتْ كأنْ لم تجهلِ
يصبو لها قلبُ العدوِّ وسمعه … حتى ينيبَ فكيف حالك بالولي
يا مرسلا إن كنت مبلغَ ميِّتٍ … تحت الصفائح قولَ حيٍّ مرسلِ
فلجِ الثرى الراوي فقلْ لمحمّدٍ … عن ذي فؤادٍ بالفجيعة مشعلِ
من للخصومِ اللُّدِّ بعدك غُصَّة ٌ … في الصدر لا تهوى ولا هي تعتلي
من للجدال إذا الشفاهُ تقلَّصتْ … وإذا اللسان بريقهِ لم يبَللِ
من بعدَ فقدك ربُّ كلِّ غريبة ٍ … بكرٍ بك افترعتْ وقولهِ فيصلِ
ولغامضٍ خافٍ رفعتَ قوامه … وفتحتَ منه في الجواب المقفلِ
من للطروس يصوغ في صفحاتها … حليا يقعقع كلّما خرسَ الحلى
يبقين للذكر المخلّد رحمة ً … لك من فم الراوي وعينِ المجتلي
أين الفؤادُ الندب غيرَ مضعَّفٍ … أين اللسان الصعب غيرَ مفلَّل
تفرى به وتحزُّ كلَّ ضريبة ٍ … ما كلُّ حزّة ِ مفصلٍ للمنصلِ
كم قد ضممتَ لدين آل محمدٍ … من شاردٍ وهديتَ قلبَ مضلَّلِ
وعقلتَ من ودٍّ عليهم ناشطٍ … لو لم ترضه ملاطفا لم يعقلِ
لا تطَّبيك ملالة ٌ عن قولة ٍ … تروى عن الفضول حقَّ الأفضلِ
فليجزينَّك عنهمُ ما لم يزل … يبلو القلوب ليجتبي وليبتلي
ولتنظرنَّ إلى عليٍّ رافعا … ضبعيك يومَ البعث ينظرُ من علِ
يا ثاويا وسَّدتُ منه في الثرى … علماً يطول به البقاءُ وإن بلى
جدثا لدى الزوراء بين قصورها … أجللته عن بطن قاعٍ ممحلِ
ما كنتُ قبل أراك تقبرُ خائفا … من أن توارى هضبة ٌ بالجندلِ
من ثلَّ عرشك واستقادك خاطما … فانقدتَ يا قطَّاعَ تلك الأحبلِ
من فلَّ غربَ حسامِ فيك فردَّه … زُبرا تساقطُ من يمين الصَّقيلِ
قد كنتَ من قمص الدجى في جنَّة ٍ … لا تنتحى ومن الحجا في معقلِ
متمنعا بالفضل لا ترنو إلى … مغناك مقلة ُ راصدٍ متأملِ
فمن اى ِّ خرمٍ أو ثنيّة ِ غرَّة ٍ … طلعتْ عليك يدُ الردى المتوغِّلِ
ما خلتُ قبلك أنّ خدعة َ قانصٍ … تلج العرينَ وراءَ ليثٍ مشبلِ
أو أنّ كفَّ الدهر يقوى بطشها … حتى تظفِّرَ في ذؤابة يذبلِ
كانوا يرونَ الفضلَ للمتقدّم ال … سبّاقِ والنقصانَ في المتقبِّلِ
قول الهوى وشريعة منسوجة … وقضيّة من عادة ٍ لم تعدلِ
حتى نجمتَ فأجمعوا وتبيّنوا … أن الأخير مقصِّرٌ بالأولِ
بكر النعيُّ فسكَّ فيك مسامعي … وأعاد صبحي جنحَ ليلٍ أليلِ
ونزت بنيَّاتُ الفؤاد لصوته … نزوَ الفصائلِ في زفيرِ المرجلِ
ما كنتُ أحسبُ والزمانُ مقاتلي … يرمى ويخطئ أنَّ يومك مقتلي
يومٌ أطلَّ بغلّة ٍ لا يشتفي … منها الهدى وبغمّة ٍ لا تنجلي
فكأنَّه يومُ الوصيّ مدافعاً … عن حتفه بعد النبيِّ المرسلِ
ما إن رأت عيناي أكثرَ باكيا … منه وأوجعَ رنّة ً من معولِ
حشدوا على جنباتِ نعشك وُقَّعا … حشدَ العطاش على شفيرِ المنهلِ
وتنازفوا الدمعَ الغريبَ كأنما ال … إسلامُ قبلك أمُّهُ لم تثكلِ
يمشون خلفك والثرى بك روضة ٌ … كحلَ العيونَ بها ترابُ الأرجلِ
إن كان حظِّي من وصالك قبلها … حظَّ المغبِّ ونهزة َ المتقلِّلِ
فلأعطينَّك من ودادي ميِّتاً … جهدَ المنيب ورجعة َ المتنصلِ
أو أنفدت عيني عليك دموعها … فليبكينَّك بالقوافي مقولي
ومتى تلفَّت للنصيحة ِ موجع … يبغى السلوَّ ومالَ ميلَ العُذَّل
فسلوّك الماءُ الذي لا أستقي … عطشانَ والنارُ التي لا أصطلي
رقَّاصة القطراتِ تختمِ في الحصا … وسماً وتفحص في الثرى المتهيِّلِ
نسجت لها كفُّ الجنوبِ ملاءة ً … رتقاء لا تفصى بكفِّ الشمألِ
صبّابة الجنباتِ تسمعَ حولها … للرعدِ شقشقة َ القرومِ البُزَّلِ
ترضى ثراك بواكفٍ متدفِّقٍ … يروى صداك وقاطرٍ متسلسلِ
حتى يرى زوَّارُ قبرك أنّهم … حطُّوا رحالهم بوادٍ مبقلِ
ومتى ونتْ أو قصَّرتْ أهدابُها … أمددتها منى بدمع مسبِلِ