لِهَوَى الْكَواعِبِ ذِمَّة ٌ لاَ تُخْفَرُ – محمود سامي البارودي

لِهَوَى الْكَواعِبِ ذِمَّة ٌ لاَ تُخْفَرُ … وَأَخُو الْوَفَاء بعَهْدِهِ لاَ يَغْدِرُ

فعلامَ ينهانى العذُولُ عنِ الصِبا ؟ … أَوَلَيْسَ أَنَّ هَوَى النُّفُوسِ مُقَدَّرُ؟

قَدْ كَانَ لِي فِي بَعْضِ مَا صَنَعَ الْهَوَى … عُذرٌ ، ولَكِن أينَ مَنْ يَتَبصَّرُ ؟

وَمِنَ الْبَلِيَّة ِ غَافِلٌ عَمَّا جَنَتْ … يَدُهُ عَليَّ، وَلاَئِمٌ لاَ يَعْذِرُ

لم يَدرِ مَن كَحَلَ الكَرى أجفانَهُ … ماذا يُكابدُ الهوى مَن يَسهَرُ

يا غافِلاً عنِّى وبينَ جوانِحِى … لَهَبٌ يَكادُ لَهُ الحَشا يتَفطَّرُ

دَعْنِي أَبُثَّكَ بَعْضَ مَا أَنَا وَاجِدٌ … واحكُم بِما تهوى ، فأنتَ مُخيَّرُ

فَلَوِ اطَّلَعْتَ عَلى تَبَارِيحِ الْجَوَى … لَعلِمتَ أى ُّ دَمٍ بِحُبِّكَ يُهدَرُ

ما كنتُ أعلمُ قبلَ حُبِّكَ أنَّنى … أُغْضِي عَلى مَضَضِ الْهَوانِ وَأَصْبِرُ

أَوْرَدْتَنِي بِلِحاظِ عَيْنِكَ مَوْرِداً … لِلْحُبِّ، مَا لِلْقَلْبِ عَنْهُ مَصْدَرُ

هِى َ نَظرَة ٌ كانَت ذَريعة َ صَبوة ٍ … وَاللَّحْظُ أَضْعَفُ مَا يَكُونُ وَأَقْدَرُ

ما كنتُ أعلَمُ قبلَ وحى ِ جُفونِها … أَنَّ الْعُيُونَ الْجُؤْذُرِيَّة َ تَسْحَرُ

ظَلَموا الأسِنَّة َ خاطئينَ ، ولَيتهُم … عَلِموا بِما صنعَ السِنانُ الأحورُ

أَمُطاعِنَ الفُرسانِ فى حمَسِ الوَغى … أَقْصِرْ، فَرُمْحُكَ عَنْ غَرِيمِكَ أَقْصَرُ

أَيْنَ الرِّمَاحُ مَنَ الْقُدُودِ؟ وَأَيْنَ مِنْ … لَحْظٍ تَهِيمُ بِهِ السِّنَانُ الأَخْزَرُ؟

هَيهاتَ يَثبتُ فى الوقيعَة ِ دارِعٌ … يَسْطُو عَلَيْهِ مُخَلْخَلٌ وَمُسَوَّرُ

لِلْحُسْنِ أَسْلِحَة ٌ إِذَا مَا اسْتَجْمَعَتْ … فِي حَوْمَة ٍ لا يَتَّقِيهَا مغْفَرُ

فاللَّحظُ عَضبٌ صارِمٌ ، والهُدبُ نَبـْ … ـلٌ صَائِبٌ، وَالْقَدُّ رُمْحٌ أَسْمَرُ

أَنَّى يَطِيشُ عَنِ الْقُلُوبِ لِغَمْزَة ٍ … سَهمٌ ، وَقَوسُ الحاجبينِ مُوَترُ ؟

يا لَلحميَّة ِ مِن غَزالٍ صَادَنى … وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنْ يَصِيدَ الْجُؤْذَرُ

بَدْرٌ لَهُ بَيْنَ الْقُلُوب مَنَازِلٌ … يَسرِى بِها ، ولِكلِّ بَدرٍ مَظهَرُ

اُنظُر لِطرَّتهِ وغُرَّة ِ وجههِ … تَلْقَ الْهِدَايَة َ، فَهْوَ لَيْلٌ أَقْمَرُ

نادَيتُ لَمَّا لاحَ تَحتَ قِناعهِ : … هَذَا «الْمُقَنَّعُ» فَاحْذَرُوا أَنْ تُسْحَرُوا

طَبَعتهُ فى لوحِ الفُؤادِ مَخيلَتى … بِزُجَاجَة ِ الْعَيْنَيْنِ، فَهْوَ مُصَوَّرُ

وَسَرَتْ بِجِسمى كَهرَباءة حُسنهِ … فَمِنَ الْعُرُوقِ بِهِ سُلُوكٌ تُخْبرُ

أنا مِنهُ بينَ صَبابة ٍ لا يَنقَضى … مِيقاتُها ، وَمَواعِدٍ لا تُثمِرُ

جسمٌ برَتهُ يَدُ الضَّنى ، حتَّى غدا … قَفَصاً بهِ لِلْقَلْبِ طَيْرٌ يَصْفِرُ

لَولا التنَفسُ لاعتَلَت بِى زَفرَة ٌ … فَيَخَالُني طَيَّارَة ً مَنْ يُبْصرُ

لاَ غَرْوَ أَنْ أَصْبَحْتُ تَحْتَ قِيادِهِ … فَالحُبُّ أَغلَبُ لِلنُّفوسِ وأَقهَرُ

يَعْنُو لِقُدْرَتِهِ الْمَلِيكُ الْمُتَّقَى … ويَهابُ صَولَتَهُ الكَمِى ُّ القَسوَرُ

والعِشقُ مَكرُمَة ٌ إذا عَفَّ الفَتَى … عَمَّا يَهِيمُ بِهِ الْغَوِيُّ الأَصْوَرُ

يَقْوَى بِهِ قَلْبُ الْجَبَانِ، وَيَرْعَوِي … طَمَعُ الْحَرِيصِ ويَخْضَعُ الْمُتَكَبِّرُ

فَتَحَلَّ بِالأَدَبِ النَّفِيسِ، فَإَنَّهُ … حَلْيٌ يَعِزُّ بهِ اللَّبِيبُ وَيَفْخَرُ

وإذا عَزَمتَ فَكُن بِنَفسِكَ واثِقاً … فَالمُسْتَعزُّ بِغَيرهِ لا يَظفَرُ

إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ مِنْ بَدَهَاتِهِ … فى الخَطبِ هادٍ خانَهُ مَن يَنصُرُ

وَاحْذَرْ مُقَارَنَة َ اللَّئِيمِ وَإِنْ عَلاَ … فالمرءُ يُفسِدُهُ القَرينُ الأحقَرُ

ومِنَ الرِّجالِ مَناسِبٌ مَعروفَة ٌ … تَزكو مَوَدَّتها ، ومِنهُم مُنكَرُ

فَانْظُرْ إِلى عَقْلِ الْفَتَى لا جِسْمِهِ … فالمَرءُ يَكبرُ بِالفِعالِ ويَصغُرُ

فَلَرُبَّمَا هزَمَ الْكَتِيبَة َ وَاحِدٌ … ولَرُبَّما جَلَبَ الدنيئة َ مَعشَرُ

إنَّ الجَمالَ لَفى الفُؤاد ، وإنَّما … خَفِيَ الصَّوَابُ لأَنَّهُ لا يَظْهَرُ

فاخترْ لنَفسِكَ ما تعيشُ بِذِكرِهِ … فالمرءُ فى الدُنيا حَديثٌ يُذكَرُ