لَمّا اِستَفاقَت عُيوني – الياس أبو شبكة

لَمّا اِستَفاقَت عُيوني … في ذِلَّتي وَهَواني

عَزمتُ أَن أَتَعَرّى … مِن شهوَتي فَثَناني

وَقالَ لي الحُكم حُكمي … وَالأَمرُ طوع بناني

لا تَستَطيع التَغَنّي … في الحُبِّ عَن سُلطاني

وَالحُبُّ لا يَتَغَذّى … إِن لَم يَكُن شَهواني

فَلَم أَجِد لي مَفيضاً … يَوماً مِن الإِذعانِ

فَصِرتُ أَغذوهُ عاراً … وَالنَفسُ في تَيَهانِ

وَصارَ يُسكر روحي … بِنَغمَتَي خَفَقانِ

بِنَغمَةٍ مِن لَهيبٍ … وَنَغمَةٍ مِن دُخانِ

حَتّى ظَنَنتُ نَعيمي … في ذلِكَ البُركانِ

وَطَّأتَ لي كَنفَ الدُنيا فَقُلتُ قِفي … يا نَفسُ في مُنهَلِ اللَذّاتِ وَاِرتَشِفي

وَمالَ مذهب طَبعي عَن سَجِيَّتِهِ … حَتّى تَقَلَّب في بُطلِ وَفي صَلفِ

وَغابَ عَنِّيَ أَنّي عشبَةٌ نَبَتَت … عَلى جَوانِبِ إِبريق مِن الخَزفِ

عَلى جَوانِبِ إِبريقٍ إِذا نَظَرَت … عَين إِلى عَتقه اِنحَطَّت عَلى تَلَفِ

فَخّارَةٌ ذاتُ نَتنٍ … قَديمَة كَالزمانِ

مَرَّت قُرون عَلَيها … فَحال لَون الدهانِ

وَمَهَّد النِتنُ فيها … مَسارِبَ الديدانِ

فَخّارَةٌ دَنَّسَتها … خَواطِرُ الإِنسانِ

تَخاصَمَت جانِبيها … مَظالِمُ الأَديانِ

كَأَنَّما الدينُ فيها … ضَرب مِن الوَيلِ ثانِ

كَم مَرَّة أَوعَدَتها … ثَوائِرُ الغَليانِ

وَكَم تَفَجَّرَ فيها … بِالأَمسِ مِن بُركانِ

تَبقى قُروناً طِوالاً … وَتَمّحي في ثَوانِ

خَزّافها ذو حَنانٍ … حيناً وَذو سُلطانِ

يَنهى وَيَأمُر بِالصا … عِقاتِ وَالنيرانِ

ديدانُها مُسكَرات … بِخَمرَةِ التيجانِ

وَالتاجُ لَو هِيَ تَدري … مَعنى مِن البُهتانِ

فُخّارَةٌ جُبَلت بِالدَمعِ وَالطينِ … مِن عَهد قايينَ أَو مِن قَبلِ قايينِ

نيرونُ أَضرمُ فيها جَمرَ مُقلَتِهِ … تِلكَ البَراكينُ مِن أَجفانِ نيرونِ

تبادَرَتها مِن الديدانِ طائِفَة … أَبطال حَرب مِن الغُلبِ المَجانينِ

ما كانَ إِسكَندَرُ فيها سِوى شَبح … يَحجّب الشَمسَ عَن عَينَي ديوجينِ

ما كانَ جِنكيز إِلّا … شَرارَةٌ في الكَيانِ

تَضَرَّمَت وَتَوارَت … بَينَ الرَمادِ الفاني

رَبِّ المَغول إِله ال … نيرانِ وَالعِصيانِ

ثارَت عَلَيهِ كَما ثا … رَ سنَّةُ النيرانِ

وَالنارُ تَمحقُ إِلّا ال … تِذكار في الأَذهانِ

أَبقَت لِفارِسَ ذِكرى … كِسرى أَنوشروانِ

وَقَوَّضَت ما بَناهُ … مِن شاهِقاتِ المَباني

لَم تُبقِ إِلّا بَقايا … خَورَنق النُعمانِ

تِلكَ البَقايا عِظات ال … زَمانِ لِلإِنسانِ

تِلكَ البَقايا رُموزٌ … لِسُخرِيات الأَماني

أَينَ الَّذي شَيَّدتَهُ … جَلائِلُ الرومانِ

حُلم مِن المَجدِ أَبقى … أُسطورَة في اللِسانِ

شَرعُ المُقدّر أَلّا … يَبقى سِوى الخَسرانِ

أَما الكَمال فَحُلمٌ … في هَجعَةِ النُقصانِ

يُرقى إِلَيهِ رُوَيداً … عَلى مُتونِ الزَمانِ

عَلى الإِرادَةِ وَالتَض … حِياتِ وَالعُرفانِ

حَتّى إِذا حُكَّ كانَ ال … كَلامُ لِلطوفانِ

وَكانَ لِلنّارِ رَأيٌ … وَلِلدَّمارِ يَدانِ

أُمُّ الزَلازِلِ طوّا … فَةٌ بِكُلِّ مَكانِ

آثارها باقِيات … وَقفاً عَلى الأَجفانِ

وَالناسُ وآحسرَتاهُ … إِثنانِ مُختَلِفانِ

أَعمى لَهُ مُقلَتانِ … في العَقلِ مُبصِرَتانِ

وَمُبصِرٌ أَظلَمتهُ … عَينانِ لا تَرَيانِ

تُرى مَشيئَتُك العليا تُناديني … بِثَورَة النارِ في تِلكَ البَراكين

رَبّاهُ هَل يَنتَهي حِلمي بِبارِقَةٍ … مِن اللَهيبِ وَيَخبو الطينُ في الطين

وَهَل أَرى زاحِفاً في اللَيلِ مُلتَهِباً … بِجَمرَة السَخطِ في أَيدي الشَياطينِ

أَدعوكَ وَالظُلمَةُ الحَمراءُ تَحرِقُني … فَلا تُجيبُ وَتَلوي لا تنجّيني

أَعرَضتُ عَنكَ غداةَ القَلبِ ضَلَّلني … كَأَن شَهوَة قَلبي عَنكَ تُغنيني

وَحينَ أوقظتُ مِن سُكر الهَوى خَجَلاً … بَحَثتُ عَنكَ وَكادَ العارُ يخفيني

فَلَم تُمِل قَلبَكَ الرَحمن عَن أَلَمي … وَقلتَ تَطلُبني بَينَ المَساكين

لكِنَّني عُدتُ بَعد ال … تَكفيرِ عَن تَيَهاني

إِلى ذُنوبٍ جسامٍ … كَثيرَةِ الأَلوانِ

ملوِّثاتِ بِدَمعٍ … مُخَضّبات بِقانِ

وَقُلتُ لِلقَلبَ أَطلِق … في الموبِقاتِ عَناني

طيف الإله بَعيد … وَعَينه لا تَراني

وَقيل يَوم عَصيبٌ … يَنقضُّ قَبل الأَوانِ

تنفَّذ النار فيهِ … وَالحُكم للدّيانِ

فَرحتُ أَسأَلُ نَفسي ال … دفاعَ عَن كفراني

فَلَم أَجِد مَن يُحامي … عَنّي سِوى بُهتاني