لَقَدْ ذَكَّرَتْنِي لَيْلَة ُ الْقَدْرِ مَجْلِساً – بشار بن برد

لَقَدْ ذَكَّرَتْنِي لَيْلَة ُ الْقَدْرِ مَجْلِساً … لثنتينِ من شعبٍ على غيرِ موعدِ

سرَى بِهِمَا شَوْقٌ إِلَيَّ فَجَاءَتَا … على وجلٍ من أقربين وحسد

وكاتمتَا أخرى هواي وغرَّتا … أمِيرَهُمَا مِنِّي بِنُسْكٍ وَمَسْجِدِ

كعابٌ وأخرى كالكعاب خريدة ٌ … ثَقَالٌ وَلَمْ تَسْتَشْعِرَا عَيْشَ جُحَّد

فَنَبَّهِنِي زَيْدٌ فَقُمْتُ إِلَيْهِمَا … أجُرُّ أسَابِيَّ الْكَرَى غَيْرَ مُرْقَدِ

فلَمَّا الْتَقَيْنَا بِالْحَدِيثِ تَبَسَّمَتْ … إلي وقالت :بيت أمن فأنشد

فَعَلَّلْتُهَا حَتَّى تَسَحَّرَ طَائِرٌ … وكادت تقضى سورة ُ المتهجِّد

تَقُولُ لِيَ الصُّغْرَى الصَّلاَة َ وَقَدْ دَنَتْ … شواكل توديعِ الإمام المؤيَّد

وَإِنْ مَرَّ مُجتازٌ عَلَيْنَا تَقَنَّعَتْ … مخافة قول الفاحش المتزيِّد

فَقُلْتُ لَهَا: أُلْقِي الصَّلاَة َ وَأنْثَنِي … شَفَاعَة َ مَنْ يَأوي لِحَرَّان مُقْصَدِ

تَبَدَّلَ مِنْ حُبِّ الصَّلاَة ِ حَدِيثُنَا … وَكُنْتُ أراهُ غَايَة َ الْمُتَعَبِّدِ

فَيا مَجْلِساً لَمْ نَقْضِ فِيهِ لُبَانَة ً … وَيَا لَيْلَة ً قَدْ كُنْتُ عَنْهَا بِمَقْعَدِ

إذا العاتق العسراءُ عتَّقت الهوى … تيَّسر من أخرى لنا غير منكدِ

لعمرك ما تركُ الصلاة بمنكرٍ … ولا الصَّوم إن زارتك “أمُّ محمَّدِ”

فَتَاة ٌ لَهَا عِنْدِي دَخِيلُ كَرَامَة ٍ … وَسَاعِفُ حُبّ مِنْ طِرِيف وَمُتْلَدِ

أهيمُ بِكُمْ يَا «حَمْدَ» إِنْ كُنْتُ خَالِياً … وَأنْت حَديثُ النَّفْسِ فِي كُلِّ مَشْهَدِ

وما كنت أخشى أن تكون منيَّتي … مَوَدَّتُكُمْ يَوْماً وَكُنْتُ بِمَرْصَدِ

وللقلبُ وسواسٌ من الحبِّ يغتدي … وَرَائحُ رَوْعَاتِ الْهَوَى الْمُتَرَدِّدِ

وكلُّ خليلٍ بعد عينكَ عينه … ستنكرني إلاَّ بقايا التَّجلُّد

تَضَمَّخُ بِالْجَادِي إِذَا ما تَرَوَّحَتْ … وتأوي إذا قالت إلى كنِّ مسجدِ

إذا قلت : أوفي العهد قالت وأعرضت: … ستدرك ما قد فاتك اليوم في غد

فلَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَهَا يَوْمَ عُطِّلَتْ … سوى حلي خلخال وقرطٍ ومعضد

أسيلَة ُ مَجْرَى الدَّمْعِ مَهْضُومَة ُ الْحَشَا … كشمسِ الضُّحى حلَّت ببرجٍ وأسعدِ

تَكَادُ إِذَا قَامَتْ لِشَيءٍ تُريدُهُ … تَمِيلُ بِهَا الأَرْدَافُ مَا لَمْ تَشَدَّدِ

وَقَدْ نَسِيَتْ عَهْدَ الصَّفاء وَلَمْ أزَلْ … عَلَى ذُكَرٍ مِنْهَا أرُوحُ وأغْتدَي

يُمَوِّتُنِي شَوقِي وتُحِينِيَ الْمُنَى … فلستُ بحي في الحياة ولا الرَّدي

وَمَا كَانَ مَا لاَقَيْتُ مِنْ وَصْلِ غَادَة ٍ … وهجرانها إلا بما قدمت يدي

فلمَّا رأيتُ الحبَّ ليس بعاطفٍ … هواها ولا دانٍ لها بتودُّدِ

أخَذْتُ بِكَفَّيَّ النَّدَامَة َ رَاجِعاً … وأيقنت أني عندها غير موطدِ

عشية َ زادتني الزيارة فتنة ً … فَأقْبَلْتُ مَحْرُوماً بِهَا لَمْ أزوَّدِ

وَقَدْ عَلِمَتْ حَمَّادَة ُ النَّفْسِ أنَّنِي … إلى نائلٍ لو نلتُ من وردها صدِ

وأنَّ الهوى إن لم ترحْ لي بزفرة ٍ … يكون جوى ً بين الجوانح مغتدِ