لَبَّيْكَ يَا دَاعِيَ الأَشْواقِ مِنْ داعِي – محمود سامي البارودي

لَبَّيْكَ يَا دَاعِيَ الأَشْواقِ مِنْ داعِي … أَسْمَعْتَ قَلْبِي وَإِنْ أَخْطَأْتَ أَسْمَاعِي

مُرنِى بِما شئتَ أبلُغْ كلَّ ما وَصَلتْ … يَدِي إِلَيْهِ، فَإِنِّي سَامِعٌ وَاعِي

فلا ورَبِّكَ ما أُصغِى إلى عَذَلٍ … وَلاَ أُبِيحُ حِمَى قَلْبِي لِخَدَّاعِ

إِنِّي امْرُؤٌ لاَ يَرُدُّ الْعَذْلُ بَادِرَتِي … وَلاَ تَفُلُّ شَبَاة ُ الْخَطْبِ إِزْمَاعِي

أجرِى عَلى شِيمة ٍ فى الحُبِّ صادِقة ٍ … لَيْسَتْ تَهُمُّ إِذَا رِيعَتْ بِإِقْلاَعِ

لِلْحُبِّ مِنْ مُهْجَتِي كَهْفٌ يَلُوذُ بِهِ … مِن غَدرِ كلِّ امرئٍ بالشَرِّ وقَّاعِ

بَذَلتُ فى الحبِّ نَفسى وهى غالية ٌ … لِبَاخِلٍ بِصَفَاءِ الْوُدِّ مَنَّاعِ

أَشْكُو إِلَيْهِ، وَلاَ يُصْغِي لِمَعْذِرَتي … مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ جَنَتْهُ النَّفْسُ أَوْ دَاعِي

وَيْلاَهُ مِنْ حَاجَة ٍ فِي النَّفْسِ هَامَ بِهَا … قَلْبي، وَقَصَّرَ عَنْ إِدْرَاكِهَا بَاعِي

أسعى لَها وهى َ مِنِّى غَيرُ دانِية ٍ … وكيفَ يَبلغُ شأوَ الكوكبِ الساعِى ؟

يا حبَّذا جُرعَة ٌ مِن ماءِ مَحنية ٍ … وَضَجْعَة ٌ فَوْقَ بَرْدِ الرَّمْلِ بِالْقَاعِ

وَنَسْمَة ٌ كَشَمِيمِ الْخُلْدِ قَدْ حَمَلَتْ … رَيَّا الأَزَاهِيرِ مِنْ مِيثٍ وَأَجْرَاعِ

يا هَل أرانِى بِذاكَ الحى ِّ مُجتَمِعاً … بأهلِ وُدِّى من قومى وأشياعِى ؟

وهَل أسوقُ جَوادِى لِلطرادِ إلى … صَيْدٍ الْجَآذِرِ فِي خَضْرَاءَ مِمْرَاعِ؟

مَنَازِلٌ كُنْتُ مِنْهَا فِي بُلَهْنِيَة ٍ … مُمَتَّعاً بَيْنَ غِلْمَانِي وَأَتْبَاعِي

إِذَا أَشَرْتُ لَهُمْ فِي حَاجَة ٍ بَدَرُوا … قَضَاءَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلْمَاعِي

يَخْشَى الْبَلِيغُ لِسَانِي قَبْلَ بَادِرَتِي … ويُرعَدُ الجيشُ باسمِى قَبلَ إيقاعِى

فَالْيَوْمَ أَصْبَحْتُ لاَ سَهْمِي بِذِي صَرَدٍ … إِذَا رَمَيْتُ، وَلاَ سَيْفِي بقَطَّاعِ

أَبِيتُ فِي قُنَّة ٍ قَنْوَاءَ قَدْ بَلَغَتْ … هامَ السِماكِ ، وفاتَتهُ بِأبواعِ

يَستقبِلُ المُزنَ ليتيها بِوابِلهِ … وتصدِم الرِيحُ جَنبيها بِزعزاعِ

يَظَلُّ شِمْرَاخُهَا يَبْساً، وَأَسْفَلُهَا … مكلَّلاً بالنَدى يَرعى بهِ الراعِى

إِذَا الْبُرُوقُ ازْمهَرَّتْ خِلْتَ ذِرْوَتَهَا … شَهماً تدرَّعَ من تبرٍ بِأدراعِ

تَكَادُ تَلْمِسُ مِنْهَا الشَّمْسَ دَانِيَة ً … وَتَحْبِسُ الْبَدْرَ عَنْ سَيْرٍ وَإقْلاَعِ

أَظَلُّ فِيهَا غَرِيبَ الدَّارِ مُبْتَئِساً … نابِى المضاجعِ من همٍّ وأوجاعِ

لا فى ” سرنديبَ ” خِلٌّ أستعينُ بهِ … عَلَى الْهُمُومِ إِذَا هَاجَتْ، وَلاَ رَاعِي

يَظنُّنى من يرانِى ضاحِكاً جَذِلاً … أنِّى خَلى ُّ ، وهَمِّى بينَ أضلاعِى

ولا، ورِبِّكَ ما وَجدِى بِمُندرِسٍ … على البِعادِ ولا صَبرِى بِمِطواعِ

لَكنَّنِى مالِكٌ حَزمِى ، ومُنتَظِرٌ … أَمْراً مِنَ اللَّهِ يَشْفِي برْحَ أَوْجَاعِي

أَكُفُّ غَرْبَ دُمُوعِي وَهْيَ جَارِيَة ٌ … خَوْفَ الرَّقِيبِ وَقَلْبِي جِدُّ مُلْتَاعِ

فَإِنْ يَكُنْ سَاءَنِي دَهْرِي، وَغَادَرَنِي … رَهْنَ الأَسَى بَيْنَ جَدْبٍ بَعْدَ إِمْرَاعِ

فَإنَّ فى مِصرَ إخواناً يَسُرُّهمُ … قُرْبِي، وَيُعْجِبُهُمْ نَظْمِي وَإِبْدَاعِي