لَبَيكَ يا قَلبِ ماضٍ فيكَ ناداني – الياس أبو شبكة
لَبَيكَ يا قَلبِ ماضٍ فيكَ ناداني … خَبَّأتُ في عِطرِهِ حُبّي وَإيماني
أَيّامَ كانَ الهَوى الغِرّيدُ يَضحَكُ بي … وَيَرتَمي مَرَحُ الدُنيا بِأَلحاني
وَكانَ لِلنّاسِ آمالٌ مُحَبَّرَةٌ … تَفَكَّكَت عَن كَلاليبٍ وَأَرسانِ
فَقَد دَهى الحُكمَ أَمرٌ لا مَرَدَّ لَهُ … هانَ القَوِيُّ لَهُ وَاِستَأسَدَ الواني
كانَت لَهُ القُرعَةُ الحَمقاءُ في بَلَدٍ … بَلا النقيضَينِ مِن جَهلٍ وَعِرفانِ
فَكانَ كَالجَهلِ لِلعُرفانِ عَجرَفَةٌ … وَكانَ لِلجَهلِ كَالعِرفانِ عُرفانِ
عَذيرُهُ وَمضَةٌ في لَيلِ مُدلِجٍ … باقٍ لَهُ أَمَلٌ في قَلبِ حَيرانِ
كَسائِحٍ ضَلَّ في صَحراءَ مُحرِقَةٍ … كَأَنَّها قَلَقٌ في حُلمِ ظَمآنِ
يَمشي وَلِلنّارِ في أَجفانِهِ زَبَدٌ … عَلى لَظى الرَملِ مِن وادٍ لِوِديانِ
وَلِلسَّرابِ خِياناتٌ عَلى فَمِهِ … كَأَنَّها هُزءُ شَيطانٍ بِإِنسانِ
حَتّى أَصابَ سَراهَ العَصرِ ناحِيَةً … يَمُجُّ فيها سَحابَ الظِلِّ كَهفانِ
فَما تَخَيَّرَ بَل أَهوى عَلى ظَمَإٍ … فَصادَفَت شَفَتاهُ حَلقَ ثُعبانِ
في ذلِكَ الزَمَنِ العاتي لَبِستُ فَتىً … أَلَمَّ في خُلقِهِ أَمجادَ غَسّانِ
مِن سالِفِ الكَرَمِ المَسلوخِ عَن يَدِنا … باقٍ عَلى يَدِهِ إيماءُ إِدمانِ
أَحلامُ لُبنانَ أَجسادٌ عَلى فَمِهِ … كَأَنَّ لُبنانَ لَم يَبرَح كَلبنانِ
تُصغي إِلى السِحرِ يُحييهِ بِهِ فَتَرى … في كُلِّ رابِيَةٍ بَعثاً لإيوانِ
وَلَيسَ كَالفَألِ في الآدابِ داعِيَةٌ … لِهَديِ حَيرانَ أَو تَنبيهِ وَسنانِ
وَكَالخَيالِ لِسانٌ يُستَفَزُّ بِهِ … شَعبٌ أَبِيٌّ إِلى تَجديدِ بُنيانِ
وَكانَ أَنَّ البَيانَ الحُرَّ في دَمِهِ … أَشاعَ حِقدَ اللَظى في الحاكِمِ الجاني
فَقالَ نَهجُكَ في ما تَدَّعي خَطَرٌ … عَلى الرَعِيَّةِ يَحدوها لِعِصيانِ
أَما سَمِعتَ صُدورَ الشَعبِ تَهتِفُ لي … فَالشَعبُ مِلكيَ وَالأَيّامُ أَعواني
فَأَغمَدَ الحُرُّ في عَينَيهِ فُوَّهَةً … مِن ناظِرَيهِ كَبُركانٍ بِبُركانِ
وَقالَ مِلكُكَ لَيسَ الشَعب يا مَلِكي … فَلَستَ تَملِكُ إِلّا بَعضَ عُميانِ
كُن مَن تَشاءُ كُنِ الدُنيا بِكامِلِها … فَلَستَ تَعدِلُ صِدّيقاً بِميزاني
جَمالُ قَلبي عُريانٌ عَلى شَفَتي … وَنورُ نَفسي مَعقودٌ بِأَجفاني
وَكَيفَ أَكذِبُ وَالدُنيا تُصارِحُني … حَتّى قُشوريَ حَتّى جِسمِيَ الفاني
أَنظُر إِلى النَهرِ في صَفوٍ وَفي كَدَرٍ … فَهَل تَخفّى عَلى الصَفصافِ وَالبانِ
لِلنّورِ في كُلِّ مَجرىً مِنهُ مِصقَلَةٌ … وَكُلِّ مُنعَطَفٍ لِلحُبِّ ثَديانِ
فَذلِكَ الجَبَلُ الجَبّارُ أَطعَمَني … قوتَ النُسورِ وَهذا النَهرُ رَوّاني
خَفِّف عُتُوَّكَ وَاِغسِل قَلبَكَ الجاني … لِلظُّلمِ يَومٌ وَلِلمَظلومِ يَومانِ
عَرشُ العَتِيِّ عَلى بُركانِ مُنكِرِهِ … شَتيمَةٌ رَخَمَت في قَلبِ سَكرانِ
ما كانَ سُلطانُ هذا الشَعبِ سَيِّدَهُ … إِنَّ السِيادَةَ ما اِحتاجَت لِتيجانِ
هذي الرَعِيَّةُ مَهما تَطغَ نافِرَةٌ … وَمَن تَكُن لَستَ فيها غَيرَ سُلطانِ
تَعصي ضَميرَكَ وَالدُنيا تُناطُ بِهِ … وَحينَ أَعصي ضَلالاً فيكَ تَنهاني
فَاِخلَع وَبَدِّل لَكَ الحِرباءُ قاعِدَةٌ … لَكَ الوَداعَةُ وَالطُغيانُ ثَوبانِ
مَن أَنتَ أَنتَ يَدٌ سَوداءُ ما اِرتَفَعَت … إِلّا لِتَفريقِ أَحبابٍ وَإِخوانِ
مِن أَينَ أَنتَ مِنَ الفَحشاءِ لَو شَعَرَت … روحي بِها لَم أَبع سَهلي وَأَظعاني
مَن جاءَنا بِكَ حُمقُ الشَعبِ يا مَلِكي … لا بُؤسُهُ فَبِكَ الهَدّامُ لا الباني
لَقَد بَطِرتَ فَلَم تُستَر مُخَدّرَةٌ … وَقَد زَنَيتَ فَلَم يَهنَأ حَبيبانِ
لَكَ الحُسامُ عَلى رَأسي تُسَرِّحُهُ … وَلي عَلَيكَ وَلَو حُجِّبتَ عَينانِ
لَم يَبقَ غَيرُ ثَمارٍ مِنكَ فانِيَةٍ … خَدائِعٌ نَتَنَت في بَعضِ عيدانِ
أَما سَمِعتَ هُبوبَ الريحِ إِنَّ لَهُ … صَدى تَزَحُّفِ أَشباحٍ وَأَكفانِ
فَدَمدَمَ الحاكِمُ الغَضبانُ وَاِرتَسَمَت … عَلَيهِ أَشباحُ غيلانٍ وَحيتانِ
وَأَصدَرَت نَفسُهُ ما في قَذارَتِها … الحَمراءِ مِن شَهوَةٍ لِلأَحمَرِ القاني
وَصاحَ إِن يَكُ ذا حَدٍّ لِسانُكَ بي … فَلي لِسانٌ عَلَيهِ المَوتُ حَدّانِ
فَحَملَقَ الحُرُّ في العاتي وَقالَ لَهُ … أَقضي غَداً أَو أَموتُ اليَومَ سِيّانِ
فَكُلُّ ما أَبتَغي أَن لا تُقاطِعَني … دَعني أُكَمِّل دِفاعِيَ أَيُّها الجاني