ليَهْنك لبس المِهرجان وإن غدا – ابن الرومي
ليَهْنك لبس المِهرجان وإن غدا … تُهنئه الدنيا بأنك لابسُهْ
وأنك ركنُ الملكوالملِكُ الذي … تطول مقاييسَ الملوك مقَايسُه
ويَهنيك أنْ لم يبقَ مجدٌ ترومُهُ … يداكوأن لم تبق كفٌّ تُنافسه
وأنك ذلَّلت الخطوبَ فأذعنتْ … لعزِّك حتى ليس خَطْبٌ يمارسه
فقد فرَّغتك الشاغلاتُ وحبَّذا … فَراغُك من أحكام ما أنت سائسه
ألا فالْهُ لهوَ المرء مثلِك إنهُ … مُدارسُ علمٍ لا تُملّ مَدارسه
تظل له من ذاتِ نفسك قادِحاً … وليس يُداني قادحَ العلم قابسه
وبذل كريم ليس ينفكُّ مالُهُ … كرائمُهُ مبذولة ٌ ونفائسه
لكل جليسٍ من يديه ووجهه … يدَ الدهرِ يومٌ غائمُ الجو شامسه
تَطيب مَجانيه جميعاًوإنما … تطيب مجاني من تطيب مَغارسُهْ
وأخذٌ بحظٍّ من سماعٍ إذا التقى … وهمُّ الفتى المهمومِ ماتت هَواجِسه
تسيرُ بك الدنيا إذا ما تَنازَعتْ … نَواطقُهُ ألحانهُ وخوارسه
وشربُ شَمولٍ أطلق اللهُ شُربَها … تَدين لها بِكر الشباب وعانِسه
من الكُمت ألواناًولولا اصْطِلاؤها … عَلاها قميصٌ أصفر اللون وارِسه
وقَتْ شاربيها النارَ عمداً بنفسها … وما كان جسمُ النار جسماً تُلامسه
فقاست أليمَ الطبخ يوماً مُكَمَّلاً … يخالسُها أجزاءها وتُخالسه
فلما تجلى حِلُّها من حرامها … وزالت عن المرتاب فيها وساوسه
ثوتْ في قَرار الدَّنِّ حتى تهلهلت … ملابسُها عن صَفْوها وملابسه
وزُفت إلى شَربٍ كرامٍ فمهْرجوا … بها مِهْرجاناً غاب عنه مَناحسه
وحَفَّته في أفقِ السماءِ سُعودُهُ … وفي الأرض خِيرياته ونَراجسه
لدى ملك يأبَى له الزَّهوَ قَدْرُهُ … ويُزهَى به جُلاّسه ومَجالسه
له راحة ٌ لو مَسّتِ الصخر أنبعت … جوانبُه ماءوأورق يابسه
إذا وجهُهُ أو رأيُهُ أو فَعالهُ … تبلَّجن في ليلٍ تجلتْ حَنادِسه
رأى الراح قدْماً والسَّماعولم تزل … مسددة ً آراؤُهُ ومَحادسه
شعارِين يهتز الكريمُ عليهما … كما اهتزَّ صَمْصَامٌ جلتْه مَداوِسه
إذا خامرا نفسَ امرىء ٍ زينا له … سدى أو ندى أو وِرْدَ موتٍ يُغامسه
فضافاهما للمجد لا أنّ نفسهُ … إذا لم يَهزّاها لمجدٍ تُشاكسه
وما البحر أضحى والبحارُ شِعابهُ … ولا اليث أمسى والليوثُ فرَائسُهْ
بأصدقَ جوداً منه في كل أزمة ٍ … وبأساً إذا ما الرَّوْعِ ريعت فَوارسُهْ
به أعتب الدهرُ المذمَّم أهلَهُ … فأثَّل راجيهوأمّل يائسه
غدا يَبْتني ما يبتنيولو اكتفى … كفاه من المجد الحديثِ قَدامِسه
ولكن أبَى إلاّ فعالاً بمثله … إذا ضاع إرثٌ يحرس الإرثُ حارسه
فيا قائل السُّوءَى لتُطفِيء نورَهُ … وذلك نورٌ لا تبوخُ مَقابسه
نَلِ النجمَ فاطمسْهوأنَّى تنالُهُ … ولو نلتَه ما خلتُ أنك طامسه
أبا أحمدٍ.لا زال مجدُك غُصَّة ً … لكل حسودٍ أو يُواريه رامسُه
حلفتُ لأَنت القائلُ الفاعل الذي … غدا المجدُ محبوساً عليه حَبائسه
يراك إذا نال النظيرُ نظيرَهُ … نَظيرُك مثلُ النجم عَزّت مَلامسه
رأستَ بني الدنياوليس بنازلٍ … بمنزلة ِ المرؤوسِ من أنت رائسه
أَلا رُبَّ قولٍ قلتَهُ يا ابن طاهرٍ … أصاختْ له بعد الهدير قَناعسه
وفعلٍ رآك الفاعلون فعلتَهُ … فأغضَواوكلٌّ ذلُّه لك عاكسه
لك القولُ يستحيي ذوو القول بعدهُ … من القول حتى يترك النبسَ نابسه
إلى الفعل يَستخذي له كلُّ فاعلٍ … من الناس حتى الأصيد الرأسِ ناكسه
عجبتُ لمن أهدى لك الشعرَ تحفة ً … ومن قال شعراً وهو دونك خانسه
أيهدي إليك الشعر بعد سماعِه … بشعرِك إلا غافِلُ القلب ناعسه
وأنت الذي يدعو الكلامَ بقدرة ٍ … فيأتيه وَحْشي الكلامِ وآنسُه
أذلك أم يَزويه عنك وقد رأى … عطاياك إلا عاثرُ الجَدِّ ناعِسه
وأنت الذي سحَّ النوالَ بَنانُهُ … كما سحَّ غيثٌ ضاحك المُزنِ راجسه
تكاد تعوق الشعرَ عنك عوائقٌ … إذا قاسه يوماً بشعرك قائسه
فيَحدو به أنْ ليس للحمدِ بائعٌ … يراك وإن أَغْلى عليك تُماكسُهْ
تقول الذي ينهى عن الشعر أهلَهُ … بكل طِرازٍ لم يَرَوا ما يجانسُه
وتفعل ما يدعو إليهفكلُّهم … يكرُّ عليه عائداً فيُلابسه
فتركهُمُ إياه إقرار أنفُسٍ … بأنك دون الإنس والجن فارِسه
وقولُهُم إياه شكرٌ تقودهم … إليه بفعل لم تَشنْه خَسائسه
عوائدَ عُرْفٍ يوقظ الشكرَ نخسُهُ … وكيف ينام الشكرُ والعرفُ ناخسه
على أنهم مَنْ أحسن القول منهمُ … فمنكومن آثارِك امتار هاجسه
تعلَّم ما قد قلتَهُ وفعلتهُ … فأهدى جنى الغرس الذي أنت غارسه
لئن نَفِس الأعداءُ حظَّك إنهُ … لحَظٌّ جزيل لا يُعنَّف نافسه
وإن بخس المُطْرون حقك إنهُ … لحقٌّ ثقيل لا يُظلَّم باخسه
فعِش أبداً في خَفض عيشٍ وغبطة ٍ … وإن رَعمت من ذي شقاقٍ مَعاطسه
ولا زلتَ في يومٍ ترنُّ قيانه … فكم لك من يوم أرنت معاجِسه
ومعتركٍ ضَنْكٍ تلوح زِجاجهُ … وتبرقُ هِنْديّاته وقوانسه
شهدت فضلَّت تُرّهات أخي المُنى … وقفَّت على آثارِهن بسَابسه
أتاك مُدِلاًوالحمام يسوقهُ … ولم تنهه من قالِ سوءٍ عَواطسه
يراني بعينٍ من غرور وباطلٍ … مُنًى من ضلالوالمنايا تشاوسه
فلا قال والخطيِّ حولك بينه … فوارسُه كالغيل فيه عَنابسه
بأرعنَ جرارٍعِراضٍ صدورُهُ … كثافٍ نَواحيهضخام كَرادِسه
فذيدت أمانيه وهن خَوامِسٌ … وقد كان ممّا لا تُذاد خوامسُه
وأورد حوضاً ظلَّ عقد ورودِه … يجود بماء النفس والبحرُ قالسه
وكم من مُنًى حال المَنَى دون نيلها … وظنٍّ مُدِلٍّ خاس بالعهد خائسُهْ
ومَنْ قامَسَ الحوتَ الملجِّج مرة ً … ليقمِسَه فالحوتُ لا شك قامسه
وكم لك من ضِدٍّ أذاقتْه حتفَهْ … مَناصلُ موتٍ ناجزٍ ومَداعِسُهْ
وآخر نجّاهُ نجاءٌ مُوائلٌ … إلى عُقر دارٍ أنت لا شك جائِسه
عُنيتَ بأخلاق الزمان تروضُها … ليبأسَ عاتيهويَنعم بائسه
مَنَحْتُكَها كالروضِ جادتْه دِيمة ٌ … بكت فوقه حتى تَضاحك عابسه
غدا بين مفتوقٍ وبين مكمَّمٍ … مُبَرْنَسة ً قُسَّانه وشَمامسُه
يُصلِّي لقرن الشمس ميلاً رؤوسه … إليها إذا لم يتبع الريحَ مائسُه
فطوراً تُولِّيه المجوسَ صلاتُهُ … وطوراً توليه النصارى بَرانسُه
على أنه يُثني على الله نَشْرُهُ … بنُعمى غدٍ إذ لم يزل وهو غارسُه
حَيَّا جاده وِسميُّه ووليُّه … يُراوحه طوراًوطوراً يُغالسُه
إذا لم يُصِبه وابلٌ طلَّه الندى … فغادَره خُضراً حِساناً طنافسه
وكنتَ إذا ما الشعر صينت بناتهُ … حقيقاً بأن تُجلَى عليك عرائسُه
تقاعس شعري عن سواك فسُقْتُهُ … إليك فأضحى مُعْنِقاً مُتقاعسُه