لنا عدد يربي على عدد الحصى – الفرزدق

لَنَا عَدَدٌ يُرْبي على عَدَدِ الحَصَى … وَيُضْعِفُ أضْعَافاً كَثِيراً عَذِيرُهَا

وَمَا حُمّلَتْ أضْغَانُنَا مِنْ قَبِيلَةٍ … فَتَحمِلَ ما يُلقَى عَلَيها ظُهُورُها

إذا ما التَقَى الأحياءُ ثمّ تَفَاخَرُوا، … تَقَاصَرَ عِنْدَ الحَنْظَليّ فُخُورُها

وَإنْ عُدّتِ الأحْسابُ يَوْماً وَجَدتَها … يَصِيرُ إلى حَيّيْ تَميمٍ مَصِيرُها

وَإنْ نَفَرَ الأحْيَاءُ يَوْمَ عَظِيمَةٍ … تَحَاقَرَ في حَيّيْ تَمِيمٍ نُفُورُها

نَمَتْني قُرُومٌ مِنْ تميمٍ، وَخِلْتُهَا … إلَيْهَا تَنَاهَى مَجْدُ أُدٍّ وَخِيرُها

تَميمٌ هُمُ قَوْمي، فَلا تَعْدِلَنّهُمْ … بحَيٍّ إذا اعْتَزّ الأمُورَ كَبِيرُها

هُمُ مَعْقِلُ العِزِّ الّذِي يُتّقَى بِهِ … ضِرَاسُ العِدى وَالحرْبُ تغلي قدورُها

وَلَوْ ضَمِنَتْ حَرْباً لخِنْدِفَ أُسَرةٌ … عَبَأنَا لهَا مِنْ خِندِفٍ مَن يُبيرُها

فما تُقبِلُ الأحياءُ من حبّ خِندِفٍ، … وَلكِنّ أطْرَافَ العَوَالي تَصُورُها

بحَقّي أُضِيمُ العَالَمِينَ بخِنْدِفٍ، … وَقَدْ قَهَرَ الأحْيَاءَ مِنّا قَهُورُها

مُلُوكٌ تَسُوسُ المُسلِمينَ وَغَيرَهُمْ … إذا أنكَرَتْ كَانَتْ شديداً نكِيرُها

وَرِثْنَا كِتَابَ الله والكَعْبَةَ الّتي … بِمَكّةَ، مَحْجوباً عَلَيها سُتورُها

وَأفضَلُ مَن يَمشي على الأرْض حيُّنا … وَمَا ضَمِنَتْ في الذّاهِبينَ قُبُورُها

لَنا دُونَ مَنْ تَحْتَ السّمَاءِ علَيهمُ … مِنَ النّاسِ طُرّاً شَمسُها وَبُدورُها

أخَذْنَا بِآفَاقِ السّمَاءِ عَلَيْهِمُ، … لَنَا بَرُّها مِنْ دُونِهمْ وَبُحورُها

وَلَوْ أنّ أرْض المُسْلِمِينَ يَحُوطُها … سِوَانَا مِنَ الأحياءِ ضَاعتْ ثُغورُها

لَنَا الجِنُّ قَدْ دانَتْ وَكُلُّ قَبيلَةٍ … يَدِينُ مُصَلُّوها لَنَا، وَكَفُورُها

وَفي أسَدٍ عَادِيُّ عِزٍّ، وَفِيهِمُ … رَوَافِدُ مَعْرُوفٍ غَزِيرٍ غَزِيرُها

هُمُ عَمّمُوا حُجْراً وَكِنْدَةَ حوْله … عَمائمَ لا تَخفى مِنَ المَوْتِ نِيرُها

وَنَحنُ ضَرَبْنا النّاس حتى كَأنّهُم … خَرَارِيبُ صَيفٍ صَعَصَعتها صُقورُها

بمُرْهَفَةٍ يُذرِي السّوَاعِدَ وَقْعُهَا، … وَيَفْلِقُ هَامَ الدّارِعينَ ذُكُورُها

وَنَحنُ أزَلْنا أهل نَجرَانَ، بَعدَما … أدارَ على بَكْرٍ رَحَانَا مُدِيرُها

وَنَحنُ رَبِيعُ النّاسِ في كلّ لَزْبَةٍ … مِنَ الدّهْرِ لا يَمشي بمُخٍّ بَعيرُها

إذا أضْحَتِ الآفاقُ من كُلّ جَانِبٍ، … عَلَيْها قَتامُ المَحْل بَادٍ بُسُورُها

وَشُبّ وَقُودُ الشِّعرَيَينِ وَحَارَدَتْ … جِلادُ لِقَاحِ المُمْحلينَ وَخُورُها

وَرَاحَ قَرِيعُ الشّوْلِ مُحدَوْدب القَرَا … سرِيعاً وَرَاحتْ وَهيَ حُدبٌ ظُهورُها

يُبَادِرُهَا كِن الكَنِيفِ إمَامُهَا، … كَما حَثّ رَكْضاً بالسَّرايا مُغِيرُهَا

هنَالِكَ تَقْرِي المُعْتَفِينَ قُدُورُنَا … إذا الشَّوْلُ أعيَا الحالِبينَ دُرُورُها

وَنَعْرِفُ حَقَّ المَشْرَفِيّةِ، كُلّمَا … أطَارَ جُنَاةَ الحَرْبِ يَوْماً مُطِيرُها