لمنْ طالعاتٌ في السراب أفولُ – مهيار الديلمي

لمنْ طالعاتٌ في السراب أفولُ … يقوِّمها الحادونَ وهي تميلُ

نواصلُ من جوّ خوائضُ مثلهِ … صعودٌ على حكم الزمان نزولُ

هواها وراءٌ والسُّرى من أمامها … فهنَّ صحيحاتُ النواظر حولُ

تضاغى وفي فرط التضاغي صبابة ٌ … وترغو وفي طول الرُّغاء غليلُ

ترادُ على نجدٍ ويجذبُ شوقها … مظلٌّعراقيُّ الثرى ومقيلُ

وما جهلتْ أنّ الحجاز معيشة ٌ … وروضٌ يربِّيه الحيا وقبولُ

ولكنّ سحراً بابليّاً عقوده … تحلَّلُ ألبابٌ بها وعقولُ

نجائبُ إن ضلَّ الحمامُ طريقه … إلى أنفسِ العشّاقِ فهي دليلُ

حملنَ وجوها في الخدورِ أعزَّة ً … وكلُّ عزيز يومَ رحنَ ذليلُ

قسمنَ العقولَ في الستور بأعينٍ … قواتلَ لا يودى لهنّ قتيلُ

وفيهنّ حاجاتٌ ودينٌ غريمهُ … مليٌّ ولكنَّ الملَّى مطولُ

يخفّ على أهل القباب قضاؤها … لنا وهي منٌّ في الرقابِ ثقيلُ

أبى الربعُ بالبيضاء إلا تنكُّرا … وقد تعرفُ الآثارُ وهي محولُ

ولمّا وقفنا بالديار تشابهتْ … جسومٌ براهنَّ البلى وطلولُ

فباكٍ بداءٍ بين جنبيه عارفٌ … وباكٍ بما جرّ الفراقُ جهولُ

ونسأل عن ظمياء إلا يراعة ً … تميلُ مع الأرواح حيث تميلُ

ويعجبنا منها بزخرفة الكرى … دنوٌّ إلى طولِ البعاد يؤولُ

فإن كان سؤلا للنفوس بلاؤها … فإنكِ للبلوى وإنكِ سولُ

تهجَّر واشٍ فيك عندي فساءني … فقلتُ عدوّ أنتَ قال عذولُ

وسفّهني في أن تعلّقتُ مانعاً … فقلت وهل في الغانيات منيلُ

إذا لم تكن حسناءُ إلا تخيلة ً … فلا عجبٌ في أن يحبَّ بخيلُ

وقبلكِ رضتُ الودَّ وهو مماكسٌ … وصافحتُ بالأيصار وهو جزيلُ

وأتعبني المحفوظُ وهو مضيِّعٌ … لعهدي والمألوفُ وهو ملولُ

وقلَّبتُ أبناءَ الزمان مجرِّبا … فكانوا كثيرا والصديقُ قليلُ

ولم أرَ كالأقسامِ أفسقَ سيرة ً … وأجورَ بين الناس وهي عدولُ

ولا كاتباع الحرصِ للمرء خلَّة ً … يدقُّ عليها العرضُ وهو جليلُ

وقد زعموا أنّ العفافَ غميزة ٌ … وأن التراخي في الطِّلاب نكولُ

وأنّ السؤال يسرة ٌ ونباهة ٌ … وكلُّ انتباهٍ بالسؤالِ خمولُ

إذا كفَّك الميسورُ والعرضُ وافرٌ … فكلّ الذي فوق الكفافِ فضولُ

ولكنَّ مجداً فضلُ سعيك للعلا … تطوَّفُ في إحرازها وتجولُ

وأن تخبط الغبراءَ ضرباً وراءها … فتعرضُ في آفاقها وتطيلُ

بغى شرفُ الدين السماءَ فنالها … بعزمٍ على سقف السماء يطولُ

وخوِّل أعناقَ المطيّ فساقها … وراءَ التي يسمو بها ويصولُ

له كلَّ يومٍ والرياحُ ظوالعٌ … مناخٌ إلى أمرِ العلا ورحيلُ

نفى الضيمَ عنه أنفُ غضبانَ ثائرٍ … يخفُّ وقسطُ الحادثات ثقيلُ

ورأيٌ يودّ السيفُ لو شافه الطُّلى … به وهو مطرور الغرار صقيلُ

إذا همَّ فالبحرُ العميقُ مخاضة ٌ … توشَّلُ والأرضُ العريضة ُ ميلُ

تحمَّل عبءَ المجدِ فاشتدَّ كاهلٌ … قويٌّ على عضِّ الرحال حمولُ

وأنصفَ أحكام السيادة ِ ناشئا … وقد غدرتْ شيبٌ بها وكهولُ

فتى ً صحفه في النازلاتِ دروعهُ … وأقلامهُ فيها قناً ونصولُ

تشلُّ العدا حتى يقالَ كتائبٌ … وتحوي المدى حتى يقال خيولُ

وإن شهدَ اليومَ القطوبَ تهلّلتْ … قسائمُ وجهٍ كلُّهن قبولُ

يضحنَ إذا الأوضاحُ بالنقع أبهمتْ … ويبسمنَ أمنا والنفوسُ تسيلُ

وفارقها صلبُ العصا لم يرعْ له … جنانٌ ولم ترعدْ إليه خصيلُ

من القوم لم يخزِ القديمُ حديثهم … ولم تتخذَّل بالفروع أصولُ

إذا الأبُ منهم قصَّ مجدا على ابنه … تقبَّل آثارَ الأسود شبولُ

تودّ النجومُ السائراتُ بأنهم … إذا ما انتمت آلٌ لها وقبيلُ

ويكرمُ صوبُ المزن لو أنّ ماءه … ينبَّط من أيمانهم فيسيلُ

لهم من عميد الدولة اليوم ذروة ٌ … معاليهمُ وسطى وهنّ ذيولُ

أريتَ عيانا مجدهم وهمُ لنا … أحاديثُ مظنونٌ بها ونقولُ

كرمتَ فلم تجحدْ لديك وسيلة ٌ … وطلتَ فلم يملكْ إليك وصولُ

وما ارتابَ هذا الملكُ أنك شمسهُ … تعمُّ فتضفو تارة ً وتزولُ

إذا غربت أبقتْ فوائدَ نورها … وإن صبغتْ يوما فليس يحولُ

وما شكّ فيك الناسُ أنك مزنة ٌ … تلاقحَ فيها العامُ وهو محولُ

أحبّوك حبَّ العين مسترقَ الكرى … وللعين عهدٌ بالرقاد طويلُ

إذا كانت الشُّورى فأنتَ وما لهم … إذا خيِّرَ الإجماعُ عنك عدولُ

فإن وجدوا الأبدال لم يتعرضوا … فكيف وما في الناس منك بديلُ

وقد علمتْ أمُّ الوزارة أنها … إذا غبتَ شمطاءُ القرونِ ثكولُ

تفارقها مستصلحا فهي فاقدٌ … مولَّهة ٌ حتى يكون قفولُ

وتبذلها حتى تغارَ فترعوي … بعولٌ تعاطى بضعها وبعولُ

وإعضالها خيرٌ لها من رجالها … سواك وما كلُّ الرجالِ فحولُ

لها غبطة ٌ يوما ويوما فجيعة ٌ … كذلك دولاتُ الزمان تدولُ

وأبقى ذماها علمها أنَّ أمرها … إليك وإن طال البعادُ يؤولُ

أنا المطلقُ المأسورُ بالقرب والنوى … فيوما ويوما مظعنٌ ونزولُ

تجيشُ الليالي ثم يخمدُ صرفها … فتنقص فيما بيننا وتطيلُ

تغيبُ فلا فرطُ الأسى بمقبَّحٍ … عليّ ولا الصبرُ الجميلُ جميلُ

فظاهرُ حالي مثلُ دمعيَ لائحٌ … وباطنها مثلُ الغرام دخيلُ

ويأكلني فيك العدا وتعودُ لي … فينتشرُ مرمومُ العظامِ أكيلُ

وقد أجدبتْ أرضي فلا يغفلنَّها … مع القرب فيضٌ في يديك بليلُ

أردني لأمرٍ غيظه حظُّ صاحبي … وحظَّي منه في العلاء جزيلُ

وشافهْ بحالي ما يكافي كفايتي … فأنت بفضلي شاهدٌ وكفيلُ

ولا تخشْ من سيفٍ خبرتَ مضاءه … وإن كان فلاًّ أن يكون نكولُ

فقد يغدق الوادي وأولاهُ قطرة ٌ … ويجسمُ فعلُ الرمح وهو نحيلُ

وكيف حذارى من جفائك دانيا … وأنت على بعد الديار وصولُ

أتعتاضُ بالزوراء عنك سحابة ٌ … حياها بحلوانٍ عليّ هطولُ

معاذُ علاك وارتياحك للندى … وحقٌّ قديمُ العهدِ ليس يحولُ

ومبرمة ُ الأسبابِ شائعُ ذكرها … رقيبٌ على نعماك لي ووكيلُ

وأنك لا يحلو على يدك الغنى … ولا منك حتى تعتفى وتنيلُ

إذا قلَّ نفعُ المال أو قلَّ ربُّه … فمالك فرضٌ في السؤالِ يعولُ

دعوتَ القلوبَ فاستجابت كأنما … هواك إلى حبّ القلوب رسولُ

وكنتَ بما تولى على المدح حاجراً … وكلُّ مديح في سواكَ غلولُ

فلا يسر في ذا البدر نقصٌ ولا يطرْ … بذا الغصنِ الريّانِ منك ذبولُ

ولا تنبسطْ كفُّ الزمان بنبوة ٍ … تريدك إلا ردَّ وهو شليلُ

وزارك بالنَّيروز وفدُ سعادة ٍ … له لبثٌ لا ينتوي وحلولُ

يكون نذيرا بالخلود بشيرهُ … وأنك تبقى والزمان يزولُ

فلو أمهل المقدارُ يومك ما جرى … مدارُ الدراري قلتُ أنتَ عجولُ

وجاءتك عنّى كلّ عذراءَ مهرُها … خفيفٌ بحكم الجودِ وهو ثقيلُ

تحنُّ إلى أترابها في بيوتكم … كما حنَّ للضَّرع الدَّرورِ فصيلُ

لها أخواتٌ مثلها أو فويقها … جثومٌ على أعراضكم ومثولُ

حظوظهمُ منها سمانٌ حسائمٌ … وحظُّ رجالٍ آخرين هزيلُ

وأنصفتموها إذ ظفرتم برقِّها … فمالكها منكم أخٌ وخليلُ

فلو أن إفصاحي بها كان لكنة ً … لعلَّمني المعروفُ كيف أقولُ