لقد سافرت في الأرض هذي الجوائب – أحمد فارس الشدياق
لقد سافرت في الأرض هذي الجوائب … وجابت بلادا لم تجبها الركائب
وحيت جميع الناس بالبشر واحتفت … بهم فتلقاها حسود وعائب
وشانوا لبعد الغور منها نظامها … وليس لبعد ما تشان الكواكب
وقد كشفت عن كل معنى نقابه … فلم تلف من عن معدن الحسن ناقب
ولو ابصر الرآى مبادئ قصدها … لبانت له فيما يروى العواقب
يريدون منها الهزل والجدد أبها … واصعب شيء ان تحول النقائب
ولم يرضهم منها رزانة طبعها … على خفة في جرمها ومناقب
فما منهم الا لهم اليوم ناصب … عداوة ذي حقد ولاح مشاغب
عجبت لنور اطفأته مشارق … على أنه قد ازهرته المغارب
ايعرض عنها العرب وهي تؤمهم … وفيها فريق العجم اجمع راغب
وقد كنت ارجو ان في الشرق نورها … لمن شاقه علم العوالم ثاقب
وان يعجب النقاد منها رغائب … نفائس في كل الفنون غرائب
واني متى افرغ لها الجهد تمتلئ … لدى عياب حقبة وحقائب
فآلت مناي اليوم آلا لطامع … وعز على الظمآن منها مشارب
وصارت حروفي فوق سؤلي براقعا … ومن بعضها في جلب لومي عقارب
فما كان لي في السعي الا متارب … وكم راتب تسعى اليه المراتب
ورب امرء انضى الركاب لمطلب … فآل الى شر الحفا وهو خائب
كذا هي ايامي كما قال قائل … عجائب حتى ليس فيها عجائب
لقد شئت امرا فيه برزت شائيا … فعيب لدى شائي المعيب يؤارب
وليس عجيبا ان تعاب مشيئة … ولكن عجيب ان تشاء المعايب
رضيت باني اسهر الليل كله … ومالي انيس فيه الا الغياهب
على ان يقول الناس اذ تسفر الضحى … لنعم بشير الخير فينا الجوائب
الا ان بعض القول يشفى من الجوى … ومن بعضه تذكو حروب حوارب
وليس بلاحي الذي هو حاضر … ولكن لاحى الذي هو غائب
ولو انني خاطبته دون ساعة … لاسكته دهرا ولي منه تائب
اذا كان رب البيت ادرى بما به … فاني ادرى بالذي انا كاتب
ومن فاته التعريب لم يدر ما العنا … ولم يصل نار الحرب الا المحارب
ارى الف معنى ما له من مجانس … لدينا والفا ما له ما يناسب
والفا من الالفاظ دون مرادف … وفصلا مكان الوصل والوصل واجب
واسلوب ايجاز اذ الحال تقتضي … اساليب اطناب لتوعي المطالب
وعكس الذي قد مر أكثر فاتئد … الا ايهاذا اللائمي والمعاتب
فيا ليت قومي يعلمون بانني … على نكد التعريب جدى ذاهب
واني مع جهد البلاء مثابر … على خدمة يرضونها ومواظب
اذا لاراحوني من العذل سبة … فاوقن ان الفوز سعيي يصاحب
والا فمالي في الجوائب بغية … وما انا ممن تطيبه المتاعب