لذاتي بذاتي لا لكم أنا ظاهر – عبدالغني النابلسي

لذاتي بذاتي لا لكم أنا ظاهر … وما هذه الأكوان إلا مظاهر

تقيدت والإطلاق وصفي لأنني … على كل شيء حين لا حين قادر

ومرتبة التقييد أظهرت رحمة … ومرتبة الإطلاق أني ساتر

وتلك بمخلوق وهدي بخالق … تسمت وفي التحقيق أين التغاير

وأحببت بالتكليف إظهار حكمة الظهور … وحكمي ما أنا فيه جائر

وصوني لأفعالي عن العبث اقتضى … خطابي ومن لم يتمثل فهو كافر

جسوم وأعراض تلوح وتختفي … وما هي للمحبوب إلا ستائر

وخلف حجاب الكون ما أنت طالب … ومن لفظه المقهور يلزم قاهر

تأمل حروف الكائنات فإنها … تشير إلى معنى به أنت حائر

وبرق الحمى هذا الوجود وميضه … ولكن بما تجنيه تعمى البصائر

فيا ظاهرا في خلقه وهو باطن … ويا باطنا في أمره وهو ظاهر

تجليت لي في كل شيء ولم أكن … سواك فمنظور كما أنت ناظر

وللقلب مني قد ظهرت بكل ما … ظهرت ولم تنكرك مني الخواطر

بكل مليح بل بكل مليحة … تراءيت حتى حققتك الضمائر

وما مذهبي حب المظاهر إنما … أحب الذي دلت عليه المظاهر

أما ومقام البيت والحجر الذي … عهدناه قد دارت عليه الخناصر

لأنت المنى والقصد يا غاية المنى … وإن لامني فيك القنا والبواتر

وما ملت يوما عنك للغير سلوة … وكيف ويا نوري معي أنت حاضر

وأنت رفيقي لا رفيق سواك لي … وإن أنا عن إيفاء حقك قاصر

أحبك لا بي بل بك الحب منه … علي كما أني بك الآن شاكر

يقول عذولي لا تخاطر بقربه … وهل يدرك المأمول إلا المخاطر

وإني لأدري أن طرق وصاله … تدور على الأقوام فيه الدوائر

ولكن له سلمت نفسي فإن يرد … هداها وإن يضلل فما هو جائر

وماذا عسى نفسي تعادل في الورى … فمن أجلها عن مالكي أنا نافر

فررت به مني إليه لأنني … تحققت أن لا غير والأمر ظاهر

فكان اضطرارا كون قلبي موحدا … له وبه لأبي أنا اليوم ذاكر

أهيم بأنفاس النسيم وإنني … بطيب الحمى لا بالنسائم عاطر

وأظهر أني قد ظفرت بعلمهم … وقلبي بذات الخال لا العلم ظافر

ودونك شرعي إن هويت طريقتي … فإني مدى عمري إلى الحب سائر

وكن هكذا مثلي فقيرا من السوى … ومن نفسه تأتيك منك الذخائر

وغب عنك وامح نقطة الغين ثابتا … وغص في بحار الجمع تبد الجواهر

ولأنك من قوم أماتت ذنوبهم … نفوسا لها الأجسام منهم مقابر

فإن طريق الحق سهل سلوكه … وأوضح منه ليس يدرك ناظر

وليس بذكر أو بفكر تناله … سوى بالصفا والمحو عما يغاير

وهذا حجاب النفس يصعب خرقه … وعقلك منه وهو للحق ساتر

فمت في الهوى تحيى وأغمض عن السوى … تقر بذاك الوجه منك النواظر

طلبت مقاما بذل روحك شرطه … وأنت على ما أنت ناه وآمر

وما هكذا شرط الهوى إن ترد فرد … فناء الفنا وانس الذي أنت ذاكر

ووطن على الإنكار نفسك والأذى … فمن عسلا يجني على النحل صابر

وقد كثرت فيه العواذل غيره … وقل لطلاب الحقيقة ناصر

فإن شت فاقدم هكذا الشرط بيننا … وإلا فلا تقدم لأنك آخر