لا زلتَ يا ربع الشباب حميداً – حيدر بن سليمان الحلي

لا زلتَ يا ربع الشباب حميداً … باقِ وإن خلقَ الزمانُ جديدا

ما أنتَ للعشاق إلا جنَّة ٌ … صحبوا بها العيشَ القديمَ رغيدا

أيام كان العيشُ غضاً ناعماً … والدهر مقتبل الشباب وليدا

والدار طيّبة الثرى مما بها … يسحبنَ ربّات الخدور برودا

يستاف زائرُها ثراها عنبراً … فيكذّبَن طرفاً يراه صعيدا

يعطو إلى عذبات فرع أراكة ٍ … طبيٌّ تفيأ ظلَّها الممدودا

غنجٌ يسلُّ من اللواحظ مرهفا … بغدو عليه قتيله محسودا

هو مُنتضى ً في الجفن إلا أنه … بين الجوانح يغتدي مغمودا

أضحت ضرائبه القلوب تعدّ أد … ماها به، وهو الشقيُّ، سعيداً

وشقيقُ خديه النقيُّ من الحبا … أضحى بعقرب صدغه مرصودا

يمسى سليماً يشتفى بالريق مَن … باللثم بات بقطفه معمودا

كم بتُّ معتنقاً له في ليلة ٍ … بات العفاف بها على َّ شهيداً

وكأنما في الأفق هالة ُ بدرها … وبها الكواكب قد طلعنَ سعودا

نادٍ محمدُ حلَّ فيه وولده … وبعلاه خفَّت ناشئاً ووليدا

هو دارة ُ الشرف التي قد مهّدتْ … أبد الزمان بعزّهم تمهيدا

فرشوا بساحة أرضه القمرين واتـ … ـكأوا على زهر النجوم قعودا

متعاقدين على المكارم أحرزوا … شرفاً تماثل طارفاً وتليدا

وعليهمُ قطباً فقطباً دائرٌ … فلكُ الفخار ابوَّة وجدودا

كانوا قديماً والعلى صدفٌ لهم … دراً تناسق في الفخار نضيدا

وأبوهم البحرُ المحيط وقد بدوا … منه على جيد الزمان عقودا

هو لجَّة المعروف ما عرفتْ بنو الـ … ـدنيا سواه منهلاً مورودا

وبقية ُ الأمجاد لم يُرَ غيره … خلفاً لهم فوق الثرى موجودا

مستظهراً بعناية من ربه … وقفتْ عليه العزَّ والتأييدا

متمحضٌ لله في أفعاله … بالغيب يخشى الخالق المعبودا

فكأنما الأعضاء منه أعينٌ … تذكى جهنَّمُ نصبهنَّ وقودا

لم تجترحْ ذنباً جوارحُ جسمه … بل كان عن خطط الذنوب بعيدا

فتراه مرتعدَ الفرائص رهبة ً … لا باحتمال خطيئة ِ مجهودا

يمسى بنفسِ لا تميلُ مع الهوى … لله يحي ليله تهجيدا

وإذا تجلّى الليل أصبح باسطاً … للوفد كفاً ما تغبُّ الجودا

نسكٌ كما شاء الإلهُ وأنعمٌ … لم يحصها إلا الإلهُ عديدا

يا من لو اقتسم الأنامُ صلاحه … ما سنَّ فيهم ذو الجلال حدودا

لله منجية ٌ ولدتَ بحجرها … كان التقى في حجرها مولودا

لا تغتذى بغذا الجنين نزاهة ً … لكن غذيت الشكرَ والتحميدا

وبرزت والدنيا جميعاً مجهلٌ … علماً جلا منها الغواشى السودا

وغدتْ وكانت عاقراً امُّ الندى … لمَّا تطرَّقها نداك ولودا

تنميك من سلف المعالي أسرة ٌ … غلبوا على الشرف الكرام الصيدا

من كل معصوم البصيرة لم يزلْ … منه الرداءُ على التقى معقودا

لم يرتفعْ لك بيتُ مكرمة ٍ لهم … إلا وكان لهأخوك عمودا

شهدتْ صفات «أبي الأمين» بأنه … فضُلَ البريّة سيداً ومسودا

وأحلّه حيثُ استحقَّ من العلى … حسبٌ على الأحساب نال مزيدا

بذلَ السماحَ بذا الزمان وإنه … لأعزُّ من “بيض الأنوق” وجودا

وعلى حياض سماحه اختلف الورى … شرقاً وغرباً مصدراً وورودا

يزداد منهلُ عرفه فيضاً إذا … جفَّتْ ضروعُ الغاديات جمودا

ما إن غدا في العرف مبدأ غاية ٍ … إلا لها ابنُ أخيه كان معيدا

ليس الحيا الوسميُّ من جدوى محمـ … ـدٍ الرضا في المحلِ أنضر عودا

قد جاورتْ مغناهُ دجلة فاغتدى … بندى يديه ماؤها ممدودا

والبحر من يُمسي ويصبح جاره … لا بد أنْ يمتاح منه الجودا

جذلان يشرق للسماحة كلما … دفع الظلامُ له الركابَ وفودا

يسترشدون بنور أبلجَ إنْ خبا … ضوءُ النجوم يزد سناه وقودا

بأغرَّ يغلب وجهه شمس الضحى … بضيائه حتى تموت خمودا

ما المجد منتحلٌ لديه وإنما … ولدته أمُّ المكرمات مجيدا

قد حلَّقتْ فيه لأرفع رتبة ٍ … هممٌ تناهت في العلوِّ صعودا

وحوتْ له النفسُ الكريمة سؤددا … أمسى بناصية السهى معقودا

فإذا عقود المجد فُضِّل نظمُها … كانت مناقبه لهنَّ فريدا

هو شمس أفق المكرمات وبدرها الـ … ـهادي لمن أمسى يجوب البيدا

ورث السماحة من خضمِّ سماحة ٍ … فغدا بمجموع الفخار وحيدا

ذا الشبلُ من ذاك الهزبر وإنما … تلد الأسودُ الضاريات أسودا

يا من تعذّر أن يحيط بوصفهم … نظمٌ ولو ملأ الزمان قصيدا

والجامعين المكرمات بوفرهم … مذ أكثروا في شمله التبديدا

ولهم بأندية العلاء إذا بدوا … تهوي الأعاظم ركّعاً وسجودا

أهدتْ لجيد علاكم ابنة ُ فكرتي … درر الثناء قلائداً وعقودا

جُليت محاسنها عليكم فاجتلوا … منها لمجدكم كعاباً رودا

هي نثرة تصفوا على أحسابكم … زُغفٌ خلفتُ بنسجها داوودا

قد خلدت لكم الثناء وسؤلها … إنَّ الثناء لكم يدوم خلودا

فبقيتمُ في غبطة ٍ من ربّكم … لكنْ بقاءً لم يكن محدودا