لا تنكِرُوا الأَنَّاتِ فِي أَوْتَارِي – خليل مطران

لا تنكِرُوا الأَنَّاتِ فِي أَوْتَارِي … لَمْ يَبْقَ لِي فِي العَيْشِ مِنْ أَوْطَارِ

ذهَبَ الأَحِبَّةُ بَعْضُهُمْ مُتعَقِّبٌ … بَعْضاً وَكَان السَّبْقُ لِلأَخْيَارِ

أَرْزَاءُ دَهْرٍ شَفَّنِي تَكْرَارُهَا … أَفَمَا بِهَا سَأَمٌ مِنَ التَّكْرَارِ

أَنَا فِي الحَيَاة رَهِينَةٌ مَنْ يَفْتَدي … وَأَنا الأَسِيرُ فمَنْ يَفُكُّ إِسَارِي

مَا طَالَ عُمْرِي فِي مَدَاهُ وَإِنَّنِي … لأَخَالُهُ يَعْدُو مَدى الأَعْمَارِ

جِبْرِيلُ وَاوَلدَا مَضى قَبْلِي فَبِي … ثُكْلٌ وَلذْعُ الثُّكْلِ لَذْعُ النَّارِ

فِي دَارِ وَالدِهِ شَهِدْتُ نُمُوَّهُ … أَيَّامَ يَدْرُجُ نَاعِمَ الأَظْفَارِ

وَشَهِدْتُ كَيْفَ تُعِدُّ أَمٌّ بَعْدَهُ … لِلمَجْدِ أَوْحَدَهَا وَلِلأَخْطارِ

لاَ بِدْعَ أَنْ يُلفَى صِغارٌ أُنْبِتُوا … لِلّه وَالأَوْطَانِ جِدَّ كِبَارِ

مَا أَنْسَ لا أَنْسَى المُهَذَّبةَ الَّتِي … صِينتْ مَحَاسِنُهَا بِتاجِ وَقَارِ

أُمٌّ مِنَ الَّلائِي نَدَرْنَ وَكَانَ مِن … أَبْنائِهِنَّ نَوَادِرُ الأَدْهَارِ

نَشَّأْنَهُمْ وَبِنُورِهِنَّ أَضَأْنَهُمْ … وَمِنَ الشمُوسِ أَشِعَّةُ الأَقْمَارِ

يَا ناعِياً جِبْرِيلَ إِن نَعِيَّهُ … لأَشَدُّ مَا خُطتْ يَدُ المِقْدارِ

إِنِّي لَتُدْمَى بِالحُرُوفِ نَوَاظِرِي … مَا لِلحُرُوفِ يَثِبْنَ وَثبَ شرَارِ

فِي العَالَمِ العَرَبِيِّ أَيَّةُ هِزقٍ … لأُفُولِ ذَاك الكَوْكبِ المُتوَارِي

فدحَ المُصَابُ بِه فَمَا مِنْ مُقْلَةٍ … إِلاَّ بَكَتْهُ بِمَدْمَعٍ مِدْرَارِ

كَيْفَ الأَسَى فِي مِصْرَ لوْ يَجْزِى الأَسَى … بِالحَقِّ أَجْرَ مُجَاهِدٍ صَبَّارِ

سَارَتْ تُشَيِّعُهُ وَلَمْ ترَ أُمَّةٌ … فِي مِثلِ ذَاك المَشْهَدِ الجَرَّارِ

أَمُعِيدَ هَذا الشَّرْقِ بَعدَ سَحَابَةٍ … غشِيَتْهُ دهْراً مَصْدَرَ الأَنْوَارِ

لوْ أَنْصَفَتْكَ صِحَافةٌ بِك أَصْبَحَتْ … ذَاتَ الجَلالَةِ كَلَّلَتْك بِغَارِ

لأَبِيكَ كَانَ السَّبْقُ فِي مِضْمَارِهَا … وَإِلَيْكَ آلَ السَّبْقُ فِي المِضْمَارِ

وَلَعَلَّ مَنْ أَعْقَبْتَ وَالآثَارُ قَدْ … وضَحَتْ لَهُ يَجْرِي عَلى الآثَارِ

مَاذَا صَنَعْتَ وَقَدْ وَرِثْتَ صَحِيفَةً … تحيَا بِهَا فِي بَسْطَةٍ وَيَسَارِ

لَمْ يُرْضِكَ اسْتِقْرَارُهَا ولَقَدْ تَرَى … أَنَّ الجُمُودَ حَلِيفُ الاِسْتِقْرَارِ

فَمَضَيتَ فِي تَحْسِينِهَا قُدَماً وَلَمْ … تُحجِمْ عَلى العِلاَّتِ وَالأَخْطَارِ

وَرفَعْتَها لِلعَالَمِينَ منَارَةً … تعْتَادُهُمْ بِشَعَاعِهَا السَّيَّارِ

دِيوانُهَا بِالأَمْسِ كانَ دُوَيْرَةً … وَاليَوْمَ أَضْحَى دَوْلَةً فِي دَارِ

شَتَّانَ بَيْنَ صَحِيفةٍ بِمُتُونِهَا … وَشُرُوحِهَا فَيَّاضةِ الأَنْهَارِ

وَصَحِيفَةٍ مِنْ كُلِّ مَطْلَعِ كَوْكَبٍ … يُزْجَى إِلَيْهَا أَطْرَفُ الأَخْبارِ

هِيَ مَعْرِضٌ لِلحادِثَاتِ قَرِيبَةٌ … وَبَعِيدَةٌ فِي كُلِّ صُبْحٍ نَهَارِ

هِيَ حلْبَةٌ فِيهَا مَدىً مُتَطَاوِلٌ … لِمُكاِفحِي رَأْيٍ وَلِلأَنْصَارِ

ضُمِنَتْ بِهَا لِحُمَاةِ كُلِّ حَقِيقَةٍ … حُرِّيَّةُ النزَعَاتِ وَالأَفْكَارِ

أَيْن الصَّوَابُ هُوَ الطِّلابُ وَدُونَهُ … كَدُّ النُّهَى وَتَنَافُحُ الأَحْرَارِ

أَظْهِرْ عَلى مَا فِي الضَّمَائِرِ كُلَّ ذِي … شَأْنٍ بِه فَالخَيْرُ فِي الإِظْهَارِ

قَدْ تفْتِنُ الأَبْصَارَ بَهْرَجَةٌ وَقَدْ … تَغْشى البَصَائِرَ فِتْنَةُ الأَبْصَارِ

لكِنَّ حُكْمَ الحقِّ يَصْدُقُ آخِراً … فِيمَا يُقَوِّمُهُ مِنَ الأَقْدارِ

وَالشَّعْبُ يَوْمَئِذٍ يُوَلِّي أَمْرَهُ … مَنْ يَصْطَفِيهِ عَنْ رِضىً وَخِيَارِ

أَهْرَامُ مِصْرَ عَتِيدُهَا بَعْثٌ لَهَا … وَعَهِيدُهَا للفَخْرِ والتَّذكارِ

جِبْرِيلُ كالِئُهَا الدَّؤُوبُ وَشَخْصُهُ … فِي المَرْقَبِ العَالِي وَراءَ سِتارِ

مِصْرُ الهَوَى يَحْيَا لَهَا وَرِضَاهُ مَا … ترْضاهُ فِي الإِعْلانِ وَالإِسْرَارِ

وَلِمِصْرَ مَا يَجْنِي وَمَا يَبْنِي وَمَا … يَصِلُ الأَصَائِلَ فِيه بِالأَسْحَارِ

لا شَيءَ فِي الأَقْوَامِ إِلاَّ قوْمُهُ … لا شَيءَ إِلاَّ مِصْرُ فِي الأَمْصَارِ

هَذا هُوَ الصَّحَفِيُّ إِلاَّ أَنَّهُ … فِي صُورَةٍ أُخْرَى مِنَ التجَّارِ

مِنْ جَالِبِي الإِيسَارِ حَيْثُ تَوَسَّطوا … فِي النَّاسِ لا مِنْ جَالِبِي الإِعْسَارِ

وَالنَّاصِحِينَ النَّافِعِينَ دِيَارَهُمْ … بِنَزَاهَةِ الإِيرَادِ وَالإِصْدَارِ

جَادَتْ بِضَاعَتُهُ وَضُوعِفَ رِبْحُهُ … بِسَمَاحِ بَائِعِهَا وَشُكْرِ الشَّارِي

تَتعَددُ الصَّدَقَاتُ فِي نَفقَاتِهِ … حَتَّى لَيُخْطِئَها الحِسَابُ الجَارِي

لاَ يَنْظُرَنَّ إِلى العَظِيمِ بِفِعْلهِ … قَوْمٌ بِأَعْيُنِ مَاهِنِينَ صِغَارِ

فَالمُتْلِفُ الجَبَّارُ فِيمَا قَدَّرُوا … مَا كانَ غَيْرَ المُخِلفِ الجَبَّارِ

إِنَّ الصِّحَافَة حَوْمَةُ الأَقْلامِ لاَ … مَرْمَى القِدَاحِ وَمَلْعَبُ الأَيْسَارِ

يُرمَى بِهَا عَنْ كُلِّ قوْسٍ إِنَّمَا … لاَ قوْسَ إِلاَّ مَا بَرَاهُ البَارِي

أَو مَا رَأَيْنَاهَا تَشِيدُ مَمَالِكاً … وَتُعِزُّ أَقْطاراً عَلى أَقْطَارِ

أَمُؤَبِّني جِبْرِيلَ مِنْ أَقْرَانهِ … فَضْلاَ وَمِنْ إِخوَانِهِ الأَبْرَارِ

أَنْصَفْتُمُوهُ بِهَذهِ الذِّكْرى وَمَا … أَحْرَاهُ بِالتخْلِيدِ وَالإِكْبارِ

حَسْبُ المُنَى مَا هَيَّأَتْ أَهْرَامُهُ … لِبِلاده مِنْ عِزَّةٍ وَفخارِ

وَلْيُولِهِ بِسَلِيله مِنْ بَعْده … أَمناً عَلى الذِّكْرَى وَطِيبَ قرَارِ

لِيُثِبْهُ عَنْ مِصْرٍ وَعَنْ جَارَاتِهَا … بِالخَيْرِ دَاعِيهِ لِخيْرِ جِوارِ