كِسَاؤُكَ ما يكْسُوكَ أَهْلُكَ فِي مِصْرِ – خليل مطران

كِسَاؤُكَ ما يكْسُوكَ أَهْلُكَ فِي مِصْرِ … وَسِتْرُكَ هَذَا إِنْ حَرَصْتَ عَلى السِّتْرِ

أَتحْرُثُ أَرْضاً فِي ابْتِغَاءِ نَبَاتِهَا … تُكَابِدُ ما يُشْقِي مِن البرْد وَالحَرِّ

تصَبَّرُ فِي رِيٍّ وَصَرْفٍ وَخِدْمَةٍ … دَرَاكٍ عَلى عَيْشٍ أَمَرَّ مِنَ الصَّبْرِ

فَإِنْ حَلَّ مَا أَعْطَاكَ رَبُّكَ مِن جَنىً … جَزَاءً لِمَا أَنْفَقْتَ فِيه مِن العُمْرِ

رَمَيْت بِحُرِّ المَالِ مَرْمَى زِرَايَةٍ … كَأَنَّكَ تُلْقِيه جُزْافاً إِلى البَحْرِ

فَتَعْدِلُ بِالأَصْدَافِ مَا رُحْتَ مُزْجِياً … وَتَبْذُلُ فِيه عَائِداً ثَمَنَ الدُّرِّ

أَجَلْ كَانَ حَقُّ العِلْمِ مَا هُوَ غَانِمٌ … مِنَ الجَهْلِ وَالتَّفْرِيطِ لَمْ يَخْلُ مِنْ عُذْرِ

وَلَكِنَّ عَصْراً فِي الأَبَاطِيلِ جُزْتَهُ … تَقَضَّى بِمَا فِيه وَصِرْت إِلى عَصْرِ

فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ رَعْيَكَ النِّعْمَةَ الَّتِي … أَصَبْتَ وَلَمْ تَجْهَدَ بِشَيءٍ مِنَ الشُّكْرِ

بِثَوْبِكَ مِنْ نَسْجِ الحِمَى تَخْدمُ الحِمَى … ونَفْسَكَ مَوْفُورَ الكَرَامَةِ وَالأَجْرِ

أَطَلْعَتَ حَرْبِ العَالِمَ العَامِلَ الَّذي … لَهُ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ مَفْخَرَةٍ بِكْرِ

أَرَى المَدْحَ أَوْفَى المَدْحِ لَيْسَ … بِمُجْزِيءٍ أَقَلَّ جَزَاءٍ مِنْ مَآثِرِكَ الكُثْرِ

جَمَعْتَ شَتَاتَ الشَّرْقِ بِالرَّأْيِ وَالِياً … عَنِ السَّيْفِ مَا لَمْ يَسْتَطِعْهُ مِنَ الأَمْرِ

وَأَدْرَكْتَ فِي العَلْيَاءِ أَبعَدَ غَايَةٍ … لِيَقْظَانَ دَاجِي الهَمِّ مُتَّقد الفِكْرِ

سَبِيلُكَ نَفْعُ النَّاسِ تُوِليهِ شَامِلاً … وتُخْلِصُهُ بدْءاً وَعَوْداً مِنَ الضُّرِّ

وَحَوْلكَ أَعْلامٌ يَكَادُ نِظَامُهُمْ … يَدُورُ مدَارَ الشَّمْسِ وَالأَنْجُمِ الزُّهْرِ

إِذَا ما ذَكَرْنَا كُلَّ أَرْوعِ نَابِهٍ … مِنَ النُّخْبَةِ المُثْلى وَمُقْتَحِمٍ جَسْرِ

فَمَنْ لِلمَعَالِي فِي الرِّجَالِ كَمِدْحَتٍ … وَمَنْزِلُهُ مِنْ نَدْوَة المَجْد فِي الصَّدْرِ

وَمَنْ كَفُؤَادٍ لِلحَصَافَة وَالحِجَى … وَمَنْ كَفُؤادٍ لِلوَفَاءِ وَلِلبِرِّ

أَلا أَيهَا المِصْرُ الصِّنَاعِي رُعْتَنا … وَلَسْنا نُغَالِي إِنْ دَعَوْنَاكَ بِالمِصْرِ

فكَمْ بِكَ مِنْ صَرْحٍ بِآخَرَ مُمْسِكٍ … وَكَمْ بِكَ مِنْ قَصْرٍ مُضَافٍ إِلى قَصْرِ

رَأَيْنا بِكَ الأَوْهَامَ وَهْيَ حَقَائِقٌ … كَأَنَّا نَرَى سِحْراً وَمَا هُوَ بِالسِّحرِ

إِذَا مَا التَقَى أَهْلُوكَ فَالسَّاحُ أَبْحُرٌ … أَوِ افْتَرَقُوا فَالسُّبْلُ نَهْرٌ إِلى نَهْرِ

أُلُوفُ رِجَالٍ كَادِحِينَ وَصِبْيَةٍ … مِنَ الفِتْيَةِ اللُّدُنِ المُثَقَّفَة السُّمْرِ

طَوَائِفُ تَجْنِي مِنْ حَديدكَ شُهْدَهَا … كَمَا تَجْتَنِيه النَّحْلُ مِنْ نَاضِرِ الزَّهْرِ

قُصَارَاهُمُ كَفِيلٌ بِرِزْقِهِمْ … وَمَا نَفْعُ عِلمٍ ضِرْعُهُ غَيْرُ ذِي دَرِّ

وَيَدْرِي فَتَاهُمْ أَيْنَ مَطْلَبُ قُوتِه … إِذَا جَامِعِيٌّ زَاغَ عَنْهُ وَلَمْ يَدْرِ

طعَامُهُمُ لَوْنٌ وَلَكِنْ مُيَسَّرٌ … وَمَشْرَبُهُمْ عَذْبٌ بِلا رَنَقٍ يَجْرِي

لَكَ اللّهُ كَمْ كَسْراً جَبَرْتَ وَخِلَّةً … سَتَرْتَ وَكَمْ خَيْراً أَدَلْتَ مِنَ الشَّرِّ

لَيَومِكَ يَوْمٌ فِيه لِلْفَتْحِ غُرَّةٌ … جَلَتْ وَجْه الاِسْتِقْلالِ مُبْتَسِمَ الثَّغْرِ

يُطَالِعُها رَاجِي الفَلاحِ لِقَوْمِهِ … فَيُدْرِكُ سِرَّ الفَوْزِ فِي مَكْمَنِ السرِّ

إِذَا المَصْنَعُ الأَهْلِيُّ عَزَّ فإِنهُ … بِنَاءٌ عَزِيزُ الشَّأْنِ لِلوَطَنِ الحُرِّ

وَلَمْ أَرَ نَصْراً أَجَلَّ مَغَبَّةً … وَأَيْسَرَ فِي التَّكْلِيفِ مِنْ ذلِكَ النَّصْرِ

لِمِصْرَ إِذَا اسْتَكْفَتْ كَفَاءٌ بِنفَسِهَا … ففِيمَ الرِّضَى مِنْ وَافِرِ الخَيْرِ بِالنَّزرِ

إِذَا ما تَقَاضى الغَرْبُ جِزْيَةَ بَيْعهِ … أَلَيْس يُؤَدِّي الشِّرْقُ جِزْيةَ ما يَشْرِي

مَزارِعُكُمْ ضَاقَتْ بِطَلاَّبِ رِزْقِهَا … وَصَارَتْ قُرَاكُمْ بَعْدَ يُسْرٍ إِلى عُسْرِ

حَذارِ مِنَ الفقْرِ المُنِيخِ بِكَلكَلٍ … فَمَا مِنْ مُذلٍّ لِلأَعِزَّاءِ كَالفَقْرِ

تَوَاصَوْا بِمَصْنُوعَاتِكُمْ تكْمِلُوا بِهَا … جَنَى الرِّيفِ مِنْ نَقْصٍ مُؤَدٍ إِلى الخُسْرِ

بِكُمْ قُوَّةٌ مَذْخُورةٌ إِنْ رَشُدْتُمُ … بِتَصْرِيفِهَا حَوَّلْتُمُ غِيَرَ الدهْرِ

نَظَمْتُ لكُم نُصْحِي وَفِي صِدْقِ نُصْحِكُمْ … لأَنْفُسِكُمْ مُغْنٍ عَنْ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ

وَإِنِّي مُعِيذٌ عَزْمَكُمْ مِنْ تَرَدُّدٍ … إِذَا هُو لَمْ تَحْفِزْهُ طَنْطَنَةُ الشِّعْرِ

هَلُمُّوا اشْهَدُوا صُبْتَ النَّجَاحِ وَقَدْ بدَا … مُبِيناً يُحيِّي بِالتَّيَمُّنِ وَالبِشْرِ

وَقُولُوا بِجَهْرٍ لِلمُسِرِّينَ رَيْبَهُمْ … أَفِي الشَّمْسِ رَيْبٌ بَعْد رائِعَة الفَجْرِ

إِذَا ما تَنَاسَى بَعْضُكُمْ فَضْلَ بَعْضِكُمْ … فَأَيُّ مصِيرٍ لِلحِمَى يَا أُولِي الذِّكْر

أَتَى بَنْكُ مِصْرٍ كُلَّ مَا تَشْهَدُونَهُ … فَهَل مِنْ أَمِينٍ لا يُزَكِّيه فِي مِصْرِ