كَمْ بَطَلٍ أَمْسى وَلَمْ يَسْمُرِ – خليل مطران

كَمْ بَطَلٍ أَمْسى وَلَمْ يَسْمُرِ … تَحْتَ هِلالِ الرَّحْمةِ الأَحّمَرِ

هَوَى صَرِيعاً لَمْ تَنَلْهُ يَدٌ … فِي مِعْصَمٍ مِنْهُ وَلا مُنْحَرِ

وَلَوْ تغَشَّاهُ العِدَى لانْثَنَوْا … مُقْبِلُهُمْ يَعْثرُ بِالْمُدبِرِ

لَكِنْ دهَتْهُ مِنْ عَلٍ كُتْلَةٌ … مُرْسلَةٌ مِنْ قَاذِفٍ مُبْحِرِ

هَبتْ وَقدْ مَدّتْ شَظَايَا لَظىً … نَاشِبَةً فِي الْجَوِّ كَالْمِنْسَرِ

ثُمَّ ارْتَمَتْ تَصْدَعُ مَنْ صَادَفَتْ … فِي المُرْتَمَى مِنْ حيْثُ لَمْ يَنْظُرِ

لَهْفِي عَلى الْعَانِي وَمَا يَشْتَكِي … وَلَيْسَ فِي عُقْبَاهُ بِالْمُمْتَرِي

أَوْهَتْ رُجُومُ الْغَيْبِ أَضْلاعُهُ … لَكِنْ نَبَتْ عنْ نَفْسِ مُسْتَكْبِرِ

فِي حِينِ أَنَّ اللَّيْثَ إِنْ يُدْمهِ … رَاجِمُهُ مِنْ أَلَمٍ يَزْأَرِ

وَالسَّيْفَ إِنْ يُثْلَمْ لهُ صَلَّةٌ … وَصَلَّةٌ أَنْكَرُ إِنْ يُكْسَرِ

وَكَهْرَبَاءَ الغَيْمِ إِنْ تَصْطَدِمُ … بِذَاتِ بَرْقٍ مِثْلِهَا تَجْأَرِ

أَمَّا صَرِيعُ الحَرْبِ مِنْ جُنْدنا … فَرَابِطٌ مَهْما يُسَمْ يَصْبِرِ

لَوْ ضَارَعَتْ قُوَّتُهُ عَزْمَهُ … لاقى الْمُبِيدَاتِ وَلَمْ يُدْحَرِ

مُنْتَفِياً بَأْسُ الْعَوَادِي بِه … كَمَا انْتفى الْعُنْصُرُ بِالْعُنْصُرِ

أُنْظُرْ إِلى الآسِي مُلِمّاً بِه … يُجِيلُ فِيه طَرفَ مُسْتَعْبِرِ

حُزْناً عَلى ذَاكَ الجَرِيحِ الَّذي … يَجِفُّ سُقْماً فِي الصبَا الأَنْضَرِ

وذِلكَ المجدِ طَرِيحاً عَلى … مَهْد الضَّنَى فِي سَبْسَبٍ مُقْفِرِ

تحت سِرَاجٍ حَائِلٍ رَاجِفٍ … أَنَّى تُخَطِّرْهُ الصَّبا يَخْطُرِ

يُضِيءُ شُحّاً ودِماءَ الفَتَى … تَفِيضُ مِن يَاقُوتِهَا الأَحْمَرِ

فِي النَّطْفَةِ الْحَمْراَء مِنْ نَضْحِها … وقْدٌ كَوقْدِ الحَوْمةِ المُسْعَرِ

لَوْ لَمْ يَكُنْ حَرٌّ كَفَى حَرُّهَا … أَوْ لَمْ يَكُنْ ضوْءٌ كَفَى مَا ترِي

يا أَيُّهَا الصَّرْعَى جُعِلْنَا فِدَى … كُلِّ شُجَاعٍ مِنْكُمُ عَبْقَرِي

هَيْهَاتَ يُغْنِي نَاعِمٌ خَامِلٌ … مِنْ خَشِنٍ يوْمَ التنَادِي سَرِي

أثرْتُمُ الْمُثْلى لَكُمْ خُطَّةً … وَمَنْ يُخَيَّرْ فِي الْمُنَى يَخْتَرِ

فَكَان أَسْمَى الفَخْرِ مَا ابْتَعْتُمُ … وَكَانَ أَدْنَى العَيْشِ مَا نَشْتَري

أَجْراً وِفاقاً وَالعُلى فِدْيَةٌ … وَلا عُلى فِي خِدْعَةِ المَيْسَرِ

مَنْ تَسْتَطِلْ آثَارُهُ عُمْرَهُ … يَطُلْ فَإِنْ تَقْصُرْ بِه يَقْصُرِ

هَلْ يَسْتَوِي مُسْتَبْسِلٌ مُنْجِدٌ … وَآمِنٌ يَقْمِرُ فِي مَقْمِرِ

يَا مَعْشَرَ الْعُرْبِ الْكِرَامِ الأُولى … بِهِمْ أُباهِي كُلَّ ذِي معْشَرِ

يَا أُمَّةً أَنْكَرْتُ تَفْرِيطَهَا … إِنْكَارَ لا قَالٍ وَلا مُزْدَرِ

بِصِدْقِ مَنْ يُوِقظُ حِبّاً لَهُ … وَقَدْ غَفَا عَن طارِيءٍ مُنْذرِ

كمْ بِتَّ أَسْتَشْفِعُ مِنْهَا لَهَا … وَنوْمُهَا مِنْ رَيْبِهِ مُسْهِرِي

أَقُولُ هَلْ مِنْ رَقْدَةٍ قَبْلَها … بِغَيْرِكِ امْتَدَّت إِلى أَعصُرِ

أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَرَارَ الضُّحَى … غُرْمٌ وَأَنَّ الغنْم لِلْمُبْكِرِ

يَا أُمَّةً تَارِيخُهَا حَافِلٌ … بِالآي مِنْ مُبْتَدَإِ الأَدْهُرِ

مِنْ عَهْدِ قحْطَانَ تِبَاعاً إِلى … قَيْسِ بْنِ شيْبَانَ إِلى عَنْترِ

إِلى اليَتِيمِ القرَشِيِّ الَّذِي … أَعْجَزَ بِالرَّأْي وَبِالأَبْتَرِ

إِلى العَمِيدِ المُجتبَى بَعْدَهُ … وَشَيْخِهَا بِالعَقْلِ وَالمَخْبَرِ

إِلى الَّذِي لمْ يُلْفَ نِدٌّ لَهُ … فِي مَالِكٍ بِالعَدْلِ مُسْتْعمِرٍ

إِلى ابْنِ عفَّانَ وَفِيمَا تَلا … دِمَاؤُهُ تَجْرِي عَلى الأَسْطُرِ

إِلى عَلِيٍّ سيْفِها فِي الوَغَى … وَصَوتِهَا المَسْمُوعِ فِي المِنْبَرِ

إِلى نُجُومٍ عَزَّ إِحْصَاؤُهَا … مِنْ قَادَةٍ غُرٍ وَمِنْ عَسْكَرِ

وَمِنْ أُولِي حَزْمٍ أَدَارُوا بِهِ … مَرَافِقَ الدُّنْيَا عَلى مِحْوَرِ

وَمِنْ أُولِي عِلْمٍ أَفَاضُوا هُدى … عَلى النُّهى مِنْ نُورِهِ الأَزْهَرِ

ذِلكَ مَا كُنْتُ عَلى سَمْعِهَا … أُلقِيهِ إِنْ أُسْرِرْ وَإِنْ أَجْهَرِ

وَطَالَمَا عُدْتُ وَبِي حُزْنُ مَنْ … حَاوَلَ إِحْسَاناً فَلَمْ يَقْدِرِ

سَهْرَانُ لَكِنَّ رَجَائِي بِهَا … يُؤنِسُنِي فِي لَيْلِيَ الأَعْكَرِ

كَالْكَوْكَبِ الثَّابِتِ فِي قُطْبِهِ … يَسْطَعُ فِي فِكْرِي وَفِي مَنْظَرِي

عَاتَبْتُهَا حَتَّى إِذَا رُوِّعَتْ … بِطَيْفِ شَرٍ أَشْعَثٍ أَغْبَرِ

مُعَفَّرِ الْهَامِ خَئُونِ الخُطَى … جَمٍ مِنَ العُدَّةٍ مُسْتَكْثِرِ

مُنْطَادِ جَوٍّ فَارِسٍ رَاجِلٍ … خَوَّاضِ بَحْرٍ فِي الدُّجَى مُبْصِرِ

قُلْتُ لَقَدْ حَلَّ المُصَابُ الَّذِي … يُوِقظُهَا يَا نَفْسُ فَاسْتَبْشِري

مَا لِشُعُوبٍ جَمَدَتْ بَاعِثٌ … كَالخَطْبِ مَهْمَا يَطْوِها تُنْشَرِ

يَا أُمَّتِي أَرْضَيْتِ عَنْكِ العُلى … وَاثِبَةً بِالطَّارِقِ المُنْكَرِ

كَوَثْبِكِ المَعْهُودِ مِنْ سَالِفٍ … أَيَّامَ يَأْبَى العَزْمُ أَنْ تَصْبُرِي

جَافَيْتِ مَهْدَ الذُّلِّ مُعْتَزَّةً … فَطاوِلِي الدُّنْيَا ولا تُقْصِرِي

عُودِي إِلى مَجْدِكِ مَحْسُودَةً … وَفَاخِرِي مَحْمُودَةً وَافْخَرِي

سُودِي كمَا سُدْتِ قَدِيماً بِلا … حَدٍ مِنَ الشُّمِّ ولا الأَبحُرِ

مَا بِكِ صُعْلُوكٌ فأَيٌّ بدَا … أَمْرٌ لهُ في النَّاسِ فَلْيأْمُرِ

وَكُل قَدْمٍ فيكِ أَوْ عَالِمٍ … مَا شَاءَ أَنْ يَكْبُرَ فَلْيكْبُرِ

اللّهُ فِي أَبْطاِلكِ الصَّيدِ مِنْ … دُهاةِ حْربٍ غُيَّبٍ حُضَّرِ

إِذا عدَا فاِرسُهُم أَسْفرَتْ … عَنْ مِلكٍ عَاصِفةُ العِثْيَرِ

يُهَاجِمُ المِدْفعَ فِي غِيلِهِ … كَالْقَشْعَمِ السَّاطِي عَلى قسْوَرِ

فَما درَى المُطْلِقُ إِلاَّ وَقَدْ … أَصْبَحَ فِي أَصْفَادِ مُسْتَأْسِرِ

وَاللَّيْثُ غُنْمٌ فِي يَدَيْ غَانِمٍ … يُحْمَلُ كَالشيْءِ الْخَفِيفِ الزَّرِي

فَإِنْ مَشى راجِلهُمْ طَاوِياً … مِئْزَرَهُ فالْحَتْفُ فِي المِئْزَرِ

كالفَهْدِ إِنْ يَقْفِزْ وَكَالْهِرِّ إِنْ … يَهْبِطْ وَشِبْهُ الْحُوتِ إِنْ يَعْبُرِ

وَحَيْثُ يُلْفَى رَاقِباً صَيْدهُ … غَابَ عَلى الصَّيْدِ فلَمْ يَنْفُرِ

يَكْتُمُهُ مَوْضِعُهُ فَهْوَ فِي … حَشَاهُ كَالذمَّةِ لَمْ تُخْفَرِ

وَلا يَرُوعُ الْقوْمَ مِنْ بَطْشِهِ … أَدْهَى مِنَ الْبَغْتَةِ إِذْ يَنْبَرِي

حَيْثُ الثَّرَى مَا عَهِدُوا ظَاهِراً … لكِنَّهُ ذُو خَطَرٍ مُضْمَرِ

والغَوْرُ صَاغِي الأذْنِ والغَارُ ذو … إِنْسَانِ عَيْنٍ دَارَ فِي مَحْجِرِ

فَبَيْنَمَا هُم فِي ضَلالٍ وَقَدْ … تَهَادَتِ الأَظْهُرُ بِالأَظْهُرِ

إِذْ أَخَذَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنْ عَلٍ … تَنْقَضُّ أَوْ تَطْفِرُ مِنْ مَطْفِرِ

فَافْترَقُوا وَاسْتبْقُوا شُزباً … ناجِينَ مِن قَارِعَةِ المَحْشَرِ

لَكِنَّمَا تَسْبِقُ أَبْصَارَهُمْ … أَيْدٍ تُقرُّ الْجأْشَ فِي الخوَّرِ

نِفْطِيَّةُ الْوَهْجِ يَرِي حَلْيُهَا … مِن دَمِهِمْ وَالجَوُّ كَالعنْبِر

لا تُطْلِقُ الشُّذَّاذَ إلاَّ على … تزْكِيةِ الْمَخْبَرِ لِلْمُخَبِرِ

وَأَنْ يَسْبُّوا سائِقِيهِمْ إلى … مَا حَضَرُوا مِن رَائِعِ الْمَحْضَرِ

يَا أُمتِي مِثْلُ الدِّفَاعِ الَّذِي … دَافَعْتِهِ فِي الدَّهْرِ لَمْ يُذْكَرِ

مِنْهُ اعْلَمِي أَنَّكِ إِنْ تَجْمَعِي … وَنَاوَأَتْكِ الجِنُّ لم تُقْهرِي

ثُمَّ اعْلمِي أَنَّكِ إِنْ تُجْمِعِي … طَالِبَةً أَقْصى المُنى تَظْفَرِي

حُبّاً لِجَرْحاكِ وَبِرّاً بِهِم … مَا المالُ غَيْرُ الثَّمَنِ الأَيْسَرِ

ظِلُّ هِلالِ الْخَيرِ مِن فَوْقِهِمْ … وَيَدُ ذَاتِ الشَّرَفِ الأَطْهَرِ