كَرَمُ الطَّبْعِ شِيمَة ُ الأَمْجَادِ – محمود سامي البارودي

كَرَمُ الطَّبْعِ شِيمَة ُ الأَمْجَادِ … وَجَفَاءُ الأَخْلاقِ شَأْنُ الْجَمَادِ

لَنْ يَسُودَ الْفَتَى ولَوْ مَلَكَ الْحِكْـ … مة َ ما لمْ يكُنْ منَ الأجوادِ

ولعَمرى لرقَّة ِ الطَّبعِ أولى … منْ عِنادٍ يجرُّ حربَ الفسادِ

قَدْ يَنَالُ الْحَلِيمُ بِالرِّفْقِ مَا لَيْـ … ـسَ يَنالُ الْكَمِيُّ يوْمَ الْجِلادِ

فاقْرُنِ الْحِلْمَ بِالسَّماحَة ِ تَبْلُغْ … كُلَّ مَا رُمْتَ نَيْلَهُ مِنْ مُرادِ

وَضَعِ الْبِرَّ حَيْثُ يَزْكُو لِتَجْنِي … ثَمَرَ الشُّكْرِ مِنْ غِرَاسِ الأَيَادِي

وَاحْذَرِ الناسَ ما اسْتَطَعْتَ فإِنَّ النَّـ … ـاسَ أَحْلاَسُ خُدْعَة ٍ وتَعادِي

رُبَّ خلٍّ تراهُ طلقَ المحيَّا … وهو جَهُمُ الضميرِ بِالأحقادِ

فتأمَّل مواقِعَ اللَّحظِ تعلَمْ … ما طَوَتْهُ صَحَائِفُ الأَكْبَادِ

إِنَّ في الْعَيْنِ وَهْوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ … لَدَلِيلاً عَلَى خَبَايَا الْفُؤَادِ

وأُناسٍ صَحِبْتُ مِنْهُمْ ذِئَاباً … تحتَ أَثوابِ ألفة ٍ وَوِدادِ

يتمنُّونَ لى العِثارَ، ويَلقَوْ … نى بِوجهٍ إِلى المودَّة ِ صادِى

سابقونى فقصَّروا عَنْ لَحاقِى … إِنَّمَا السَّبْقُ مِنْ خِصالِ الْجَوَادِ

أَنا ما بينَ نعمة ٍ وحسودٍ … والْمَعَالِي كَثِيرَة ُ الحُسَّادِ

فليموتوا بغيظِهِم ، فاحتمالُ الـ … ـغَيْظِ موْتٌ لَهُمْ بِلا مِيعَادِ

كيفَ تبيضُّ منْ أناسٍ وجُوهٌ … صَبَغَ اللُّؤْمُ عِرْضَهُمْ بِسَوَادِ؟

أظهروا زُخرُفَ الخِداعِ ، وأخفوا … ذَاتَ نفسٍ كالجمرِ تحتَ الرمادِ

فَتَرى الْمَرْءَ مِنْهُمُ ضَاحِكَ السِّـ … نِّ وفى ثوبهِ دِماءُ العبادِ

معشرٌ لا وليدُهُم طاهرُ المهـ … ـدِ وَلاَ كَهْلُهُمْ عَفِيفُ الْوِسادِ

تِلكَ آثارهُم تدُلُّ على ما … كانَ منهُم من جفوة ٍ وتبادِى

ليسَ من يطلبُ المعالى للفخـ … رِ كمَن يطلبُ العلا للزَّادِ

وقليلاً ما يصلُحُ المرءُ للجـ … دِّ إذا كانَ ساقِطَ الأجدادِ

فاعتَصِم بالنُهى تفز بنعيمِ الدَّ … هْرِ غَضًّا، فالْعَقْلُ خَيْرُ عَتَادِ

إِنَّ في الْحِكْمَة ِ الْبَلِيغَة ِ لِلرُّو … حِ غِذاءً كَالطِّبِّ لِلأَجْسَادِ