كَانَ لَيْلٌ وَآدَمٌ فِي سُبَاتِ – خليل مطران

كَانَ لَيْلٌ وَآدَمٌ فِي سُبَاتِ … نَامَ عَنْ حِسِّهِ إِلى مِيقَاتِ

وَالْبَرَايَا فِي هِدْأَةِ الظُّلُمَاتِ … خَاشِعَاتٌ رَجَاءَ أَمْرٍ آتِ

وَالرُّبَى فِي مُسُوحِهِنَّ سَوَاجِدْ … مِنْ بَعِيدٍ وَالأُفْقُ جَاثٍ كَعَابِدْ

وَنُجُومُ الثَرَى سَوَاهٍ سَوَاهِدْ … وَنُجُومُ الْعُلَى رَوَانٍ شَوَاهِدْ

نَظَرَ اللهُ آدَماً فِي الخُلُودِ … مُوحَشاً لانْفِرَادِهِ فِي السُّعُودِ

مُسْتَزِيداً وَالنَّقْصُ فِي المُسْتَزِيدِ … فَرَأَى أَنْ يُتِمَّهُ فِي الْوُجُودِ

إِلْفُ عُمْرٍ وَالإِلْفُ لِلإنْسَانِ … حَاجَةٌ مِنْ لَوَازِمِ النُّقْصَانِ

تِلْكَ فِي الخَلْقِ سُنَّةُ الرَّحْمَنِ … سَنَّهَا مُنْذُ بَدْءِ هَذَا الْكِيَانِ

مُنْذُ كَانَتْ هَذِي الْخَلِيقَةُ قِدْماً … نَثَراتٍ مِنَ الْهَبَاءِ فَضَمَّا

مَا تَرَاخَى مِنْهَا فَأَلَّفَ جِرْمَا … ثُمَّ أَحْيَاهُ ثُمَّ آتَاهُ جِسْمَا

بسِطتْ أَنْمُلُ اللَّطِيفِ الْقَدِيرِ … فِي الدُّجَى مِنْ أَوْجِ الْعَلاَءِ المُنِيرِ

فَأَمَاجَتْ بِالضَّوْءِ بَحْرَ الأَثِيرِ … وَأَلْقَتْ بِآدَمٍ فِي السَّرِيرِ

فَتَحَتْ جَنْبَهُ وَسَلَّتْ بعَطْفِ … مِنْهُ ضِلْعاً فَجَاءَ تِمْثَالُ لُطْفِ

جَلَّ قَدْراً عَنْ اَصْلِهِ فَاسْتَصُفِّي … مِنْ دَمِ الصَّدْرِ لاَ التُّرَابِ الصَّرْفِ

فَبَدَتْ غَضَّةَ الصِّبَا حَوَّاءُ … وَهْيَ هَيْفَاءُ كَاعِبٌ زَهْرَاءُ

لِيَدِ اللهِ مَظْهَرٌ وُضَّاءُ … وَسَنى بَين بِهَا وَسَنَاءُ

تَتَجَلَّى وَاللَّيْلُ يَمْضِي انْدِفَاعا … نَاظِراً خَلْفَهُ إِلَيْهَا ارْتِيَاعَا

وَبَشِيرُ الصَّبَاحِ يُدْلِي الشُّعَاعَا … نَاشِراً رَايَاتِ الضِّيَاءِ تِبَاعَا

وَتَوَالِي النُّجُومِ تَرْمُقُ آنَا … حُسْنَهَا ثُمَّ تُغْمِضُ الأَجْفَانَا

وَنُجُومُ الجِنَانِ تُبْدِي افتِتانا … بِالْجَمَالِ الَّذي رَأَتْهُ فَكَانَا

وَتَنَاجَتْ فَوَائِحُ الأَزْهَارِ … وَتَنَادَتْ نَوَافِحُ الأَسْحَارِ

وَتَدَاعَتْ صَوَادِحُ الأَطْيَارِ … قُلْنَ هَذِي خُلاَصَةُ الأَسْرَارِ

رَبَّنَا ما سِوَاكَ مِنْ مَعْبُودِ … أَيَّ خَلْقٍ نَرَى بِشَكْلٍ جَدِيدِ

بِنْتَ شَمْسٍ أَمْ قَدْ بَدَتْ لِلْعَبِيدِ … صِفَةٌ مِنْكَ فِي مِثَالٍ فَرِيدِ

قَالَ صَوْتٌهِيَ الْعِنَايَةُ حَلَّتْ … فَأَنَارَتْ مَلِيكَكُمْ وَأَظَلَّتْ

وَهْيَ سُلْطَانَةٌ عَلَيْكُمْ تَوَلَّتْ … وَهْيَ فِي يَوْمِهَا عَرُوسٌ تَجَلَّتْ

تِلْكَ حَوَّاءُ فِي ابْتِدَاءِ الزَّمَانِ … لَمْ يُكَدِّرْ صَفَاءَهَا فِي الجِنَانِ

مَا سِوَى جَهْلٍ سِرٍّ هَذَا الكِيَانِ … وَشُعُورٍ بِأَنَّ فِي العِرْفَانِ

فَاشْتَرَتْ عِلْمَهَا بِفَقْدِ الدَّوَامِ … وَاشْتَرَتْ بِالنَّعِيمِ سِرَّ الْغَرَامِ

وَاسْتَحَبَّتْ عَلَى اعْتِدَالِ المُقَامِ … عِيشَةً بَيْنَ صِحَّةٍ وَسَقَامِ

فَإِذَا كَانَ فِعْلُهَا ذَاكَ إِثْمَا … أَفَلَمْ تَغْدُ حِينَ أَضْحَتْ أُمَّا

بِمُعَانَاتِهَا العَذَابَ الْجَمَّا … رَوْحَ قُدْسٍ مِنَ المَلاَئكِ أَسْمَى

غُبِنْتْ فِي الْخِيَارِ غَبْناً جَسِيماً … لَكِنِ اعْتَاضَتِ اعْتِياضاً كَرِيما

أَوَلَمْ تُؤْتِنَا الْهَوَى وَالعُلُومَا … فَنَعِمْنَا وَزَادَ ذَاكَ النَّعِيمَا

فَلِهَذَا نُحِبُّهَا كَيْفَ كُنَّا … إِنْ فَرِحْنَا فِي حَالةٍ أَوْ حَزِنَّا

أَوْ جَزِعْنَا لِحادِثٍ أَوْ أَمِنَّا … وَهَوَاهَا مِنَ الأَبَرِّينَ مِنَّا