كلُّ منْ رامَ في الوجودِ اتصالا – محيي الدين بن عربي

كلُّ منْ رامَ في الوجودِ اتصالا … بوجودي قد رام أمراً مُحالا

قدْ قطعنا لرؤية ِ السرِّ شوقاً … واشتياقاً فيافياً ورمالا

ثم إني لما وصلتُ إليه … لم أجد غيرنا فزدت نكالا

قلتُ ربي فقالَ لبيكَ عبدي … لم أجد غير حيرة ٍ لي ضلالا

قالَ لي هكذا هوَ الأمرُ فاعلمْ … لمْ يزد طالبوهُ إلا خبالا

كلُّ قلبٍ يبغي الوصولَ إليهِ … معلمٌ بالفراقِ منهُ تعالى

وكذا منْ يقولُ ربي بقلبي … جدٌّ والجدٌّ لمْ ينلهُ فنالا

حيرة ٌ مثله فقال شُخيصٌ … غاطسٌ في السرابِ ماءً زلالا

ثمَّ لمَّا أتاهُ لمْ يلفَ إلا … عدماً حاصلاً وقدْ كانَ آلا

يثبتُ الجهلَ ههنا ثم أيضا … ههنا والجهولُ نال الوبالا

وجدَ اللهُ عندَهُ فكفاهُ … صاحبُ الآلِ كانَ أحسنَ آلا

إخوتي هل رأيتهمُ أو سمعتم … أنَّ شخصاً أتى إليهِ فمالا

عنهُ عنْ غيرِ حاصلٍ مستلذٍّ … لا وحقِّ الإلهِ جلَّ جلالا

ما رأيناه في سوى الحق عينا … وقصاراه أنْ يكون خيالا

وهوَ شرعٌ مقررٌ مستفادٌ … جاء بالكاف نوره يتلالا

لقلوبٍ دنت إليه اشتياقا … فكساها مهابة ً وجمالا

لا وحقِّ الهوى ومتبعيهِ … ما رأينا في الهجر إلا الوصالا

لمْ ينلْ كلُّ طالبٍ مستفيدٍ … عينَ كونِ الحبيبِ إلا كَلالا

فاطلب الأمر بالوجودِ تجدْه … عندَ حبلِ الوريدِ يشكو المطالا

قلت مذ أنت ههنا قال دهري … إنَّ ربي أتيتُ عنهُ مثالا

وأنا ما أريدُ إلا إلهي … حبه الدهرَ لا أريدُ اتصالا

بسوى الله قال عينُ وجودي … حققِ الأمرَ يا فتى استقلالا

يدرى قطعاً من أبصر البدر تما … إنهُ كانَ في العيانِ هلالا

ثمَّ لمَّا تزايدَ الأمرُ فينا … عاد في نقصه يريد الكمالا

كلُّ نقصٍ تراهُ فهوَ كمالٌ … للذي جاء فيه أنَّ المثالا

يستر الشيء خلفه وهو كشفٌ … عند من يعرفُ الحلال حلالا

حكمَ العلمُ أنَّ ما كانَ رجماً … إنه كانَ في الهواءِ اشتعالا

وهوَ نجمٌ كما تراهُ ولكنْ … جعلَ الجوَّ للرجومِ مجالا

هو نار وفي الحقيقة ِ نورٌ … فيه شغلٌ لمنْ يريدُ اشتغالا

وأتى الربُّ للحرارة ِ فيها … رحمة ً للورى فمدَّ الظلالا

فنعمنا بها فعشنا ملوكا … ليسَ نبغي ضداً فنبغي قتالا

في نعيمٍ بهِ وظلِّ ظليلٍ … مستريحينَ لا نقطّ ذبالا

إنْ ترد أنْ تكون فيه مكانا … أكثر الصوم ههنا والوصالا

كلُّ من مال عنك فيما تراه … لا تقلْ عنهُ إنهُ عنكَ مالا

فتغيظ العدوّ قولا وفعلا … وتسرُّ الوليَّ فعلاً وحالا

سمى المال في العموم لميل … فيك والعبدُ مال عنه ممالا