قَلِيلٌ مَنْ يَدُومُ عَلَى الْوِدَادِ – محمود سامي البارودي

قَلِيلٌ مَنْ يَدُومُ عَلَى الْوِدَادِ … فلا تَحفَل بِقربٍ أو بِعادِ

إِذَا كَانَ التَّغَيُّرُ في اللَّيَالِي … فَكَيْفَ يَدُومُ وُدٌّ في فُؤَادِ؟

وَمنْ لَكَ أَنْ تَرَى قَلْباً نَقِيًّا … ولمَّا يَخلُ قلبٌ مِن سوادِ ؟

فلا تَبذل هواكَ إلى خليلٍ … تَظُنُّ بِهِ الْوَفَاءَ، وَلاَ تُعَادِ

وَكُنْ مُتَوَسِّطاً في كُلِّ حَالٍ … لِتأمنَ ما تخافُ مِنَ العِنادِ

مُدَارَاة ُ الرِّجَالِ أَخَفُّ وَطْئاً … على الإنسانِ مِن حَربِ الفسادِ

يَعِيشُ الْمَرْءُ مَحْبُوباً إِذَا ما … نَحا فى سَيرهِ قَصدَ السَّدادِ

وما الدُّنيا سوى عَجزٍ وحِرصٍ … هُمَا أَصْلُ الْخَلِيقَة ِ في الْعِبَادِ

فَلَوْلاَ الْعَجْزُ مَا كَانَ التَّصَافِي … وَلَوْلاَ الْحِرْصُ ما كَانَ التَّعَادِي

وما عقَدَ الرِّجالُ الوُدَّ إلاَّ … لِنَفعٍ ، أو لِمنعٍ مِن تعادى

وما كانَ العِداءُ يَخفُّ لولا … أذَى السُّلطانِ ، أو خوفُ المَعادَ

فيابنَ أَبى ولستَ بهِ ، ولكِن … كِلاَنَا زَرْعُ أَرْضٍ لِلْحَصَادِ

تَأَمَّلْ، هَلْ تَرَى أَثَراً؟ فَإِنِّي … أرى الآثارَ تَذهبُ كالرَّماد

حَيَاة ُ الْمَرْءِ في الدُّنْيَا خَيَالٌ … وَعَاقِبَة ُ الأُمُورِ إِلَى نَفَادِ

فَطُوبَى لاِْمرِىء ٍ، غَلَبَتْ هَوَاهُ … بَصيرتُهُ ؛ فباتَ على رَشادِ