قل للذي اعتبر الوجودَ مِثالاً – محيي الدين بن عربي
قل للذي اعتبر الوجودَ مِثالاً … هل نال منه العارفون مَنالا
لا والذي خضعَ الوجودُ لعزهِ … ما زادهم إلا عمى ً وضلالا
فإذا عجزتَ عن المنالِ علمتهَ … بالعجزِ ليسَ بما اعتبرتْ مثالا
قدْ حازَ منْ جعلَ المثالَ دليله … للعلمِ باللهِ العظيمِ خبالا
فيراه تاجاً في الرؤوس مكللاً … ويراهُ في رجلِ الرجالِ نعالا
ورأيته عند اللجينِ مخلصاً … للناظرين وفي النضار ذُبالا
لا تقطعنَّ بما ترى منْ صورة ٍ … فالشمسُ وقتاً قد تكون هلالا
ما سمى البدرُ المنير هلاله … إلا إذا كبرته إهلالا
حلاكَ تعظيمُ التشهدِ ذاتهُ … من خلقِه سبحانه وتعالى
وتحوزُ منهُ مكانة ً علوية ً … بعلومها ومراتباً وكمالا
دارتْ رحى الألبابِ في طلبِ الذي … ما زالَ في أرحى العقولِ ثفالا
فيرى مطيهمُ لذاك من الوجى … تشكو عياءً عنده وكلالا
في مهمه قطع السُّرى أنياطها … قطعاً وزادهم العِيان مضلالا
فإذا ظفرتَ بهِ فلستَ بظافرٍ … وتقولُ فيما تدعيهِ محالا
منْ يدعي علمَ الصفاتِ فإنهُ … لا يعرفُ الإدبار والإقبالا
من يدعي التصريفَ في أحكامِهِ … قدْ ظنَّ ظناً أنَّ فيهِ محالا
هيهاتَ كيفَ ومنْ يكيفُ ذاتهُ … فهوَ الذي يعتالُ أينَ اغتالا
لمَّا رأيتُ وجودهُ منْ خلقهِ … نوراً وأنصبه الكيانُ ظِلالا
أيقنتُ أنَّ الأمرَ فيهِ تحيرٌ … عند اللبيبِ يهيج البَلبَالا
ويقولُ أهلُ الكشفِ فيهِ بأنهُ … تفصيلهُ لا يقبلُ الإجمالا
ولذاكَ أنزلهم وهم في ملكهِ … دون الملوك أئمة أقيالا
يدعونَ في لحنِ الشريعة ِ والهدى … بالوراثينَ الكلَّ الأرسالا
فهمُ بأرجاءِ الوجودِ مذانب … وجعافرٌ قدْ أرسلوا إرسالا
ولوْ إنهمْ في كلِّ علمٍ جامعٍ … قد جرروا عجباً به أذيالا
اللهُ كرمهمْ بعلمِ وجودِهِ … وسقاهمُ كاسَ العلومِ زُلالا