قصيدة الخبز – محمود درويش

(إلى إبراهيم مرزوق )

كان يوما غامضا …

تخرج الشمس إلى عاداتها كسلى

رماد معدنيّ يملأ الشرق ..

و كان الماء في أوردة الغيم

و في كل أنابيب البيوت

يابسا

كان خريفا يائسا في عمر بيروت

و كان الموت يمتدّ من القصر

إلى الراديو إلى بائعة الجنس إلى سوق الخضار

ما الذي أيقظك الآن

تمام الخامسة ؟

كان إبراهيم رسّام المياه

و سياجا للحروب

و كسولا عندما يوقظه الفجر

و لكنّ لإبراهيم أطفالا من الليّلك و الشمس

يريدون رغيفا و حليب

كان إبراهيم رسّاما و أب

كان حيّا من دجاج و جنوب و غضب

و بسيطا كصليب

المساحات صغيره

مقعد في غرفة . لا شيء… لا شيء

و كان الرسم بالماء وطن

و التفاصيل لكم . وجهي أنا برقيّة

هل تقرأون الماء كي تتّفق الآن ؟

البياض الأسود احتل المسافات

أنا الورد الذي لا يومىء

القيد الذي يأتي من الحرية الفوضى

أو الهجز الذي يأخذ شكل الوطن البوليس

هل كان الوطن

انطباعا أم صراعا ؟

وضياعا أم خلاص

كان يوما غامضا …

وجهي أنا برقيّة الحنطة في حقل الرصاص

ما الذي أيقظك الآن

تمام الخامسة ؟

كنت تعرف

هي بيروت الفوارق

هي بيروت الحرائق

ما الذي أيقظك الآن

تمام الخامسة ؟

إنّهم يغتصبون الخبز و الإنسان

منذ الخامسة ..‍..

لم يكن للحبر في يوم من الأيّام

هذا الطعم ، هذا الدم

هذا الملمس الهامس

هذا الهاجس الكونيّ

هذا الجوهر الكلي ّ

هذا الصوت هذا الوقت

هذا اللون هذا الفنّ

هذا الاندفاع البشريّ . السرّ. هذا السّحر

هذا الانتقال الفذ

من كهف البدايات إلى حرب العصابات

إلى المأساة في بيروت من كان يموت

في تمام الخامسة ؟

كان إبراهيم يستولي على اللون النهائيّ

و يستولي على سر العناصر

كان رسّاما وثائر

كان يرسم

وطنا مزدحما بالناس و الصفصاف و الحرب

وموج البحر و العمال و الباعة و الريف

و يرسم

جسدا مزدحما بالوطن المطحون

في معجزة الخبز

و يرسم

مهرجان الأرض و الإنسان ،

خبزا ساخنا عند الصباح

كانت الأرض رغيفا

كانت الشمس غزالة

كان إبراهيم شعبا في الرغيف

و هو الآن نهائيّ… نهائي ّ

تمام السادسة

دمه في خبزه

خبزه في دمه

الآن

تمام السادسة ‍..