قد خططنا للمعالي مضجعا – حيدر بن سليمان الحلي
قد خططنا للمعالي مضجعا … ودفنا الدينَ والدنيا معا
وعقدنا للمساعي مأتماً … ونعينا الفخر فيه أجمعا
آه ماذا وارت الأرضُ التي … رمقُ العالم فيها اوُدعا
وارت الشخصَ الذي في حمله … نحنُ والأملاك سرنا شرعا
صاحب النعش الذي قد رُفعت … بركاتُ الأرض لمّا رفعا
ملكٌ حياً وميتاً قد أبى … قدرُه إلا الرواقَ الأرفعا
إنْ تسلني كيف من ذاك الحمى … فيه زاحمن العرينَ المسبعا
فبه أدنى إليه شبله … أسدَ الله وحيّاً ودعا
فأسلناها على إنسانها … حدقاً وهي تسمّى أدمعا
وبللنا تربة القبر الذي … دفنوا فيه التقى والورعا
وعقرناها حشاً فوق حشاً … يتساقطن عليه قطعا
ونضحناها ولكن مهجاً … صنع الوجدُ بها ما صنعا
فعلى ماذا نشدُّ الأضلعا … كذبَ القائلُ قلبي رجعا
وحللنا عقده الصبر أسى ً … وعلى الوجد شددنا الأضلعا
ورجعنا لا رجعنا وبنا … رمقٌ ممسكه ما رجعا
يا ابن ودّى إنَّ عندي فورة ً … تملأ الجنبين كيف اتسعا
فإلى مكة لي إنَّ بها … منتدى الحيِّ المعزّى أجمعا
ابتدرها واعتمد بطحاءها … إنها كانت لفهرٍ مجمعا
قف بها وانعَ قريشاً كلَّها … فقريشُ اليوم قد ماتوا معا
وتعمَّد شيبة َ الحمد وخذ … نفثة ً تحطمُ منها الأضلعا
قلْ له: إن متَّ قدماً وجعاً … فمت الآن بنعيٍ جزعا
صدعت بيضتكم قارعة ٌ … كبدُ الوحي عليها انصدعا
زال درعُ الهاشميين الذي … بردائيْ حسبيه ادَّرعا
وانطوى عزُّ نزار كلَّها … بمصابٍ سامها أن تخضعا
ما فقدتُ اليوم إلاّ جبلاً … نحوه يلجأ من قد روّعا
كان أرسى زمناً لكن على … مهج الأعداء ثم اقتلعا
شهرت أيدي المنايا سيفها … فاستعاذ الدهرُ منها فزعا
وحمى عن أنفه في كفّه … فإذا الأقطعُ يحمى الأجدعا
قرعت سمعَ الهدى واعية ٌ … أبداً في مثلها ما قُرعا
لو رأت ما غاب عينٌ لرأت … عيننا جبريلَ يُدمي الإصبعا
قائلاً: حسبُك ملْ عن هاشمٍ … وعلى الفيحاء عرّج مسرعا
إنها منعقدُ النادي الذي … قد حوى ذاك الجناب الأمنعا
قف بها وقفة عانٍ ممسكا … كبداً طاحت بكفٍ قطعا
وأنخ راحلة الوجد وقل: … لستِ يا أربعُ تلك الأربعا
إنما كنت على الدهر حمى ً … لم تجدْ فيك الليالي مطمعا
بعليم فيك قد أحيا الهدى … ومليكٍ قد مات البدعا
فالعمى والجورُ عنك افترقا … والجدا والعدل فيك اجتمعا
بأبِ الرشد إذا ضلَّ الورى … وأخي الجلّى إذا الداعي دعا
قد لعمري راعك الخطبُ بمن … كان في الخطب الكميَّ الأروعا
جدَّ ناعيه فقلنا هازلٌ … ليس يدري كنه مَن كان نعى
هاكِ يا أفعى اليالي كبدي … طارت الأحشاء منها جزعا
قد بكى الغيثُ أخاه قبلكم … فعمادُ المجد منك أو دعا
رحل «الصادقُ» منكم «جعفرٌ» … وبه الإسلامُ قسراً فُجعا
فإلى أين وهل من مذهبٍ … كابدوها غلة ً لن تنقعا؟
يا “أبا موسى ” أضح لي سامعاً … وبرغمى اليوم أن لا تسمعا
بل كفاني لوعة ً أنّى أرى … منك أخلى الموتُ هذا الموضعا
أوما عندك في نادي العُلى … لم تزل تحلو القوافي موقعا؟
أين ذاك الوجهُ ما حيَّيته؟ … بطريف المدح إلا التمعا
أين ذاك الكفُّ تندي كرماً؟ … كلما جفَّ الحيا أو منعا
… فانهشي منها بنابيك معا
مات من يثنيك يا نضناضة ً … ترشحين الموت سمَّاً منقعا
واقشعري أيها الأرضُ بنا … فغمامُ الجود عنا انقشعا
عثر الدهرُ فقولا لا لعاً … فخذا باللوم منه أو دعا
فلقد جاء بها قاصمة ً … خلعت صلبَ العلى فانخلعا
انتهت كلُ الرزايا عندها … فتعدّى العذلُ والعذر معا
أدرى أيّ صفاتٍ قرعا … أم درى أيّ قناة ٍ صدعا؟
فاستحالت مقلة ُ الدين قذاً … طبنه “المهديُّ” حتى هجعا
إنما “المهديُّ” فينا آية ٌ … بهر الخالقَ فيما ابتدعا
لم يزعزع حلمه الخطبُ الذي … لو به يقرع رضوى زعزعا
ملكَ الأجفانَ لكن قلبُه … والجوى خلف الضلوع اصطرعا
أيها الحاملُ أعباء العُلى … ناهضاً في ثقلها مضطلعا
مقتدى الأمَّة أنتم ولهم … بكم دينُ التأسّي شرعاً
يتداوى برقي أحلامكم … مَن بأفعى رزئه قد لُسعا
قد نشأتم في بيوتٍ لكم … أذن الله بها أن ترفعا
لا أرى الفيحاءَ إلا غابة ً … سبعٌ يخلفُ فيها سبعا
إن مضى عنها “أبو موسى ” فها … “بأبي الهادي” إليها رجعا
من سراجٍ في سراجٍ بدلٌ … انطفى ذاك وهذا سطعا
ماجدٌ يبسط كفاً لم تزلْ … لمن ارتاد الندى منتجعا
ذو عُلى ً ما نالها العقلُ ولا … طائرُ الوهم عليها وقعا
سيّدٌ قال له المجدُ ارتفع … حيث لا تلقى السهى مرتفعا
وحّد القول له لكنَّه … “بأبي القاسم” ثنّى متبعا
فجرى في إثره مرتفعا … يركب الجوزاءَ ظهراً طيّعا
وسنا المجد الذي في وجهه … ذاك في وجه الحسين التمعا
سادتي عفواً دهتني صدمة ٌ … أفحمت منّي الخطيبَ المصقعا
لم أخل ينعى لساني جعفراً … وبودِّي قبل ذا لو قطعا