فِي رِضَى المَرْبُوبِ وَالرَّبِّ – خليل مطران
فِي رِضَى المَرْبُوبِ وَالرَّبِّ … بِتْ قَرِيراً يَا أبَا الطَّبِّ
يَا رَئِيسَ القَصْرِ مِنْ قِدَمٍ … وَأُسَاةِ العَصْرِ فِي العَقْبِ
جَلَّ رُزْءُ القِطْرِ أَجْمَعِهِ … فِيكَ مِنْ عَلاَّمَةٍ قُطْبِ
مِنْ سَدِيدِ الرَّأْيِ مُبْرَمِهِ … مُحْكَمِ الإِيجَابِ وَالسَّلْبِ
مَنْ صَحِيحِ المجدِ صَادِقِهِ … حِينَ يُشْرَى المَجْدُ بِالكذْبِ
مِنْ بَعِيْدِ الهَمِّ مُشْتَغِلٍ … في انْصِدَاعِ الشَّمْلِ بِالرَّأْبِ
لَيْسَ بِالْوَقَّافِ مُخْتَبِلاً … بَيْنَ دَفْتِ الفِكْرِ وَالجَذْبِ
ذَبَّ عَنْ حَقِّ البِلاَدِ بِمَا … في حُدُودِ العِلْمِ مِنْ ذَبِّ
إذْ رَآهَا وَالشُّعُوبُ شَأَتْ … لَمْ تَزَلْ فِي أَوَّلِ الدَّرْب
ورِضَاهَا السِّلْمُ اَشْبَهُ مَا … كَانَ فِي عُقْبَاهُ بِالحَرْبِ
فَبِجِدٍّ هَبَّ يَرْجِعُ مِنْ … شَأْنِهَا مَا ضَاعَ بِاللَّعْبِ
وبِمَا أبْلَى لِنُصْرَتِها … عُدَّ فِي أَبْطَالِهَا الغُلْبِ
فِي سَبِيلِ اللهِ مُرْتَحِلٌ … شَقَّ عَنْهُ مُظْلِمَ الحُجْبِ
عُمْرُهُ وَالمَالُ قَدْ بُذِلاَ … قُرْبَةً فِ خِدْمَةِ الشَّعْبِ
إِنَّ مِصْراً إذْ نَعَوْهُ لَهَا … وَجَمَتْ مِنْ شِدَّةِ الخَطْبِ
وَأَجَلَّ ألْفَاقِدُوهُ بِهَا … قَدْرَهُ عَنْ سَاكِبِ الغَرْبِ
هَلْ دُمُوعُ العَيْنِ مُغْنِيَةٌ … في العُلَى مِنْ هَابِطِ الشُّهْبِ
حَقُّهُ الذِّكْرَى تُخَلِّدُهُ … بِجَمِيلِ القَوْلِ لاَ النَّحْبِ
وَمَعَانٍ يَسْتَدِيمُ بِهَا … وَجْهُ حَيٍّ مُنْقَضِي النَّحْبِ
مِنْ عَلٍ أشْرِفْ وَبَشَّ إلى … هَؤُلاَءِ الآلَ وَالصَّحْبِ
هَلْ بِلاَ وُلْدٍ يَعِزُّ بِهِمْ … مَنْ لَهُ وُلْدٌ بِلاَ حَسْبِ
مَنْ يُرَبِّي كَالأَفَاضِلِ مِنْ … هَؤُلاَءِ الصَّفْوَةِ النُّجْبِ
تَتَبَنَّاهُمْ لَهُ نِعَمٌ … وَاصِلاَتُ الحُقْبِ بِالْحُقْبِ
قَطَرَاتٌ مِنْ نَدَى هِمَهمٍ … مُثْمِرَاتٌ كَنَدَى السُّحْبِ
أرَأيْتَ البِرَّ يَجْمَعُهُمْ … هَهُنَا جَنْباً إلى جَنْبِ
كَانَ عِيسَى فِي مَوَدَّتِهِ … وَاحِداً في البُعْدِ والْقُرْبِ
عَزْمُهُ مِنْ عُنْصُرٍ مَرِنٍ … خُلْقُهُ مِنْ جَوْهَرٍ صُلْبِ
قَوْلُهُ فِي نَفْسِ سَامِعِهِ … طَيِّبٌ كَالمَورِدِ العَذْبِ
رَأْيُهُ فِي كُلِّ مُعْضِلَةٍ … قَاطِعٌ كَالصَّارِمِ العَضْبِ
جُودُهُ شَافٍ أَعَادَ بِهِ … مَجْدَ مِصْرٍ عَاليَ الكَعْبِ
جَاءَ فِيهِ بِدْعَةً غَصَبَتْ … كُلَّ حَمْدٍ أَيَّمَا غَصْبِ
والمَعَانِي قَدْ تَكُونُ لَها … كَالْغَوَانِي رَوْعَةٌ تَسْبِي
لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرْقِ وَاحَرَبَا … كَرَمٌ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ
فَبِحَمْدِي الْيَوْمَ صَارَ لَنَا … مَوْقِفٌ فِي جَانِبِ الغَرْبِ
حَبَّذَا أنْبَاءُ مِنْحَتِهِ … قُلْ وَكَرِّرْ أَيُّهَا المُنْبِي
عَلَّ فِي مُثْرِي مَوَاطِنِنَا … مَنْ ضِخَامِ الرَّيْعِ وَالْكَسْبِ
مَنْ إذَا دَاعِي الوَلاَءِ دَعَا … قَالَ إحْسَاسٌ لَهُ لَبِّ
هَلْ يُفِيدُ الخِصْبُ فِي بَلَدٍ … وَقُلُوبُ القَوْمِ فِي جَدْبِ
أَلثَّرَاءُ المُسْتَعَزُّ بِهِ … كَنْزُهُ فِي العَقْلِ لاَ التُّرْبِ
مِصْرُ يَا أُسْتَاذُ تَذْكُرُ مَا … جِئْتَ بِالإِعْجَابِ وَالْعُجْبِ
كُلَّمَا مَرَّ الزَّمَانُ بِهِ … فَهْوَ فِي إجْلاَلِها مُربِي
كَانَ عِيسَى صَبَّ حِرْفَتِهِ … يَفْتَدِيهَا فِدْيَةَ الصَّبِّ
وَُرَجِّي أنْ يُعِيدَ لَهَا … شَأْنَهَا فِي دَوْلَةِ العُرْبِ
فَانْبَرَى لِلْكُتْبِ يُخْرِجُهَا … آيَ تَعْلِيمٍ بِلاَ كُتْبِ
وَأَفَادَ النَّاسَ غَايَةَ مَا … فِي اقْتِدَارِ النَّاصِحِ الطَّبِّ
فَهُوَ الآسِي لِذِي سَقَمٍ … وَالمُوَاسِي لِأَخِي الكَرْبِ
تَحْتَ آدَابِ الحَكِيمِ طَوَى … مَكْرُمَاتِ السَّيِّدِ النَّدْبِ
كَانَ فِي كُلِّ الشُّؤُونِ يَرَى … كَيْفَ يَرْقَى الْأَوَْ ذُو الدَّأْبِ
فَازَ قِدْماً مَنْ لَهُ نَظَرٌ … قَبْلَ بَدْءِ الأَمْرِ فِي الغِبِّ
فَإذَا ما سَارَ سِيرَتَهُ … لَمْ يَجِدْ صَعْباً مِنَ الصّعْبِ
كَانَ لاَ يُعْطِي الحَيَاةَ سِوَى … قَدْرِ مَا يُعْطِي أَخُو اللُّبِّ
نِضْوُ خُبْرٍ لَيْسَ يَفْتِنُهُ … زُخْرُفُ الدُّنْيَا وَلاَ يُصْبِي
يَجِدُ الحُسْنَى بِلاَ جَذَلٍ … وَيَرَى السُّوأَى بِلاَ عَتْبِ
فِيهِ حُبُّ النَّاسِ أَخْلَصَهُ … طَبْعُهُ الصَّافِي مَنَ الخِبِ
جَاءَهُمْ مِنْهُ بِأبْدَعَ مَا … ضُمِّنَتْهُ آيَةُ الحُبِّ
خَيْرُ مَا يَأْتِي الذَكَاءُ بِهِ … هُوَ مَا يَأْتِي مِنَ الْقَلْبِ
ذَاكَ بَعْضُ الحَقِّ فِيهِ وَلَوْ … طَالَ وَقْتِي لَمْ يَكُنْ حَسْبِي