فِي ذِمَّةِ اللهِ وَفِي عَهْدِهِ – خليل مطران

فِي ذِمَّةِ اللهِ وَفِي عَهْدِهِ … شَبَابُهُ النَّاضِرُ فِي لَحْدِهِ

سَمَتْ بِهِ عَنْ مَوْقِفٍ عِزّةُ … تَخْرُجُ بِالَأرْشَدِ عَنْ رُشْدِهِ

زَانَتْ لَهُ حَوْضَ الرّدَى زِينَةً … تَظْمَأُ بِالرّاوِي إلى وِرْدِهِ

لَهْفِي عَلَيْهِ يَوْمَ جَاشَ الأَسَى … بِهِ وَفَاضَ الحُزْنُ عَنْ حَدِّهِ

فَطَمَّ كَالسَّيْلِ عَلَى صَبْرِهِ … وَعَالَجَ العَزْمَ إِلَى هَدِّهِ

وَاكْتَسَحَ الآمَالَ مَنْثُورَةً … كَالوَرَقِ السَّاقِطِ عَنْ وَرْدِهِ

وَدَارَ فِي الغَوْرِ بِمَا كَانَ مِنْ … هَوَاهُ أَوْ شَكْوَاهُ أَوْ وَجْدِهِ

فَرَاحَ لَا يَشْعُرُ إلّا وَقَدْ … أَلقَاهُ تَيارٌ إلى نِدهِ

بَاغَتَهُ اليَأْسُ وَأَيُّ امْرِيءٍ … يَقْدِرُ فِي حَالٍ عَلَى رَدِّهِ

وَاليَأْسُ إِنْ فَاجَأَ ذَا مَرَّةٍ … دَوَّخَ ذَا المِرَّةِ عَنْ قَصْدِهِ

طَيْفٌ بِلا ظِلٍّ كَتُومُ الخُطَى … مَنْ يَعْتَرِضْ مَسْلَكَهُ يُرْدِهِ

مُنْتَعِلُ البَرْقِ خَفِيُّ السُّرَى … يُصِمُّ بِالرَّعْدَةِ عَنْ رَعْدِهِ

مَهْلكَةُ الآسَادِ فِي نَابِهِ … وَصَرْعَةُ الأَطْوَادِ فِي زَنْدِهِ

كُلُّ قُوَى التَّشْتِيتِ فِي لِينِهِ … وَكُّلُّ بَطْشِ البَيْنِ فِي شَدِّهِ

يُلابِسُ الجِسْمَ وَيَغْشَى الحَشَى … وَيَمْلأُ الهَامَةَ مِنْ وَقْدِهِ

فَالمُبْتَلَى فِي حُلُمِ مُوهِنٍ … مُوهٍ يَكِلُّ العَزْمَ عَنْ صَدِّهِ

حُلْمٍ هُلامِيُّ اللَّظَى فَاجِعٍ … يَبْلُغُ مِنْهُ مُنْتَهَى جَهْدِهِ

حَتَّى إِذَا مَا امْتَصَّ مِنْهُ النُّهَى … فِي مُسْتَطِيلِ الجُنْحِ مُسْوَدِّهِ

أَطْلِقْهُ مِنْ حَالِقٍ ذَاهِلاً … فِي نِيلِهِ يَهْلِكُ أَوْ سِنْدِهِ

مُفَارِقاً غُرَّ أَمَانِيهِ … أَوْ مُوتِمَ الأَطْهَارِ مِنْ وَلْدِهِ

وَاهاً لِمَبْكِيٍّ عَلَى فَضْلِهِ … مُفْتَقِدِ الآدَابِ فِي فَقْدِهِ

صِيدَ مِنَ المَاءِ وَلَوْ أَنْصَفُوا … لَظَلَّ فِي المَاءِ عَلَى وُدِّهِ

يَهُزُّهُ المَوْجُ رَفِيقاً بِهِ … كَمَا يُهَزُّ الطِّفْلُ فِي مَهْدِهِ

مَضَى نَقِيَّ الجِسْمِ وَالبُرْدِ لا … فِي جِسْمِهِ لَوْثٌ وَلا بُرْدِهِ

مَا ضُرِّجَتْ بِالدَّمِ أَثْوَابُهُ … وَلا وَرَى الصَّادِعُ مِنْ زِنْدِهِ

مُبْتَرِداً بِالمَاءِ فِي نَفْسِهِ … شُغْلٌ عَنِ المَاءِ وَعَنْ بَرْدِهِ

مَاتَ مُرَجًّى فِي اقْتِبَالِ الصِّبَا … يَا خَيْبَةَ الدُّنْيَا وَلَمْ تَفْدِهِ

طَلَّقَهَا زَلاَّءَ لَمْ تَرْعَ مَا … آثَرَ أَنْ تَرْعَاهُ مِنْ عَهْدِهِ

وَلَمْ يُفَارِقْ بِمُنَاءاتِهَا … سِوَى أَذَاهَا وَسِوَى سُهْدِهِ

مَا كَانَ أَدْنَى العَيْشَ عَنْ رَأْيِهِ … وَأَضْيَقَ الأَرْضِ عَلَى جُهْدِهِ

وَكَانَ أَوْفَاهُ لِمَحْبُوبِهِ … لَوْلا انْحِطَاطُ العُمْرِ عَنْ قَصْدِهِ

فَرُبَّ رَسْمٍ بَاتَ فِي جَيْبِهِ … وَعَنْ ذَاكَ الرَّسْمِ فِي كِبْدِهِ

هَوَى أَبَى دَارَ التَّنَاهِي لَهُ … دَاراً فَرَقَّاهُ إِلَى خُلْدِهِ

مَا مَاتَ بَلْ نَام أَلَمْ تَنْظُرُوا … إِلي احْمِرَارِ الوَرْدِ فِي خَدِّهِ

مَا مَاتَ بَلْ نَام أَلَمْ تُبْصِرُوا … لَيَانَةَ المَعطِفِ فِي قَدِّهِ

نَامَ عَنِ الدَّهْرِ الخَؤُونِ الَّذِي … فِي هَزْلِهِ الغَدْرُ وَفِي جِدِّهِ

عَنْ قَاتِلِ النُّبْلِ عَدُوِّ الحِجَى … مُظْمِيءِ نصْلِ السَّيْفِ فِي غِمْدِهِ

عَنْ صَادِقِ الرَّمْزِ بِإِبْعَادِهِ … وَكَاذَبَ الإَيْمَانِ فِي وَعْدِهِ

عَنْ مُغْرِقِ العَالِمِ فِي بُؤْسِهِ … وَمُغْرِقِ الجَاهِلِ فِي سَعْدِهِ

عَنْ ظَالِمِ القَاصِدِ فِي حُكْمِهِ … وَفَاطِمِ المَاجِدِ عَنْ مَجْدِهِ

بِنْتَ حَكِيماً فَاسْتَرِحْ نَاسِياً … مَا نِلْتَ مِنْ خَيْرٍ وَمِنْ ضِدِّهِ

لا سُبَّةً تَخْشَى وَلا شُبْهَةً … مِنْ سُقْمَاءِ الرَّأْيِ أَوْ رُمْدِهِ

أَقَالَكَ الحَقُّ فَمَا عَاثِرٌ … مَنْ كَانَتْ العَثْرَةُ فِي جِدِّهِ

مَنْ ذَلَّ فَلْيُولِكَ مِنْ عُذْرِهِ … أَوْ عَزَّ فَلْيُولِكَ مِنْ حَمْدِهِ

سَقَاكَ دَمْعِي نَضْحَةً صُنْتُهَا … إِلاَّ عَنِ الوَافِي وَعَنْ وُدِّهِ

وَعَنْ عَظِيمِ الخُلْقِ مُسْتَنِّهِ … وَعَنْ قَوِيمِ الفِكْرِ مُسْتَدِّهِ

وَاللهُ رَاعِيكَ أَلَيْسَ الَّذِي … جَاءَكَ فِي الحَالَيْنِ مِنْ عِنْدِهِ