غَلواءُ ما أَحلى المِعطارا – الياس أبو شبكة

غَلواءُ ما أَحلى المِعطارا … صَبِيَّةٌ تَغبِطها العَذارى

لا يَستَطيعُ شاعِرٌ أَن يُبِدعا … قَصيدَةً أَجمَلَ مِنها مَطلَعا

تَصَوَّرِ الأَزهارَ في نَوّارِ … تُنعِشُها اِرتِعاشَةُ الأَنوارِ

تَصَوَّرِ النَسيمَ في الصَباحِ … يَهِزُّ ساقَ الفُلِّ وَالأَقاحِ

تَصوَّر السَماءَ في رُوائِها … كَأَنَّها الاِحلامُ في صَفائِها

تَصَوَّر الاِعشابَ في الجِبالِ … تَحلمُ في مَهدٍ من الظِلالِ

تَصَوَّر الرابيَةَ الجَميلَه … لَوَّنها ظِلٌّ من الخَميلَه

وَكُوَمَ الثَلج عَلى الرَوابي … تَطفو عَلَيها صُفرَةُ الغِيابِ

وَاِنظُر أَخيراً نَظرةً سَريعَه … مُختَلَفَ الجَمالِ في الطَبيعَه

تَعرِف إِذاً مَعرِفَةً عَلياءَ … كَيفَ السَماءُ أَبدَعَت غَلواءَ

وَكان في صُورٍ لَها قَريبَه … أُعطِيَت اِسمَ الوَردَةِ الحَبيبَه

جَمالُها يَحمِلُ لِلجُنونِ … وَميضَةَ الشَهوَةِ في العُيونِ

تَشعُرُ من جَسَدها المُشتَعِلِ … في كُلِّ عِرقٍ بِدِماءِ رَجُل

تَصوَّرِ البُركانَ في ثَورَتِهِ … تَنقَذِفُ النيرانُ من فوهَتِه

كَالمرأَةِ البَغيِّ في مُقلَتها … عُنصُرُ نارٍ قُدَّ من شَهوَتِها

تَصوَّرِ المَوتَ بنابِ أَفعى … مُريبَةٍ بَين زُهورٍ تَسعى

تَظُنُّها خِلالَ وَهجِ النورِ … ساقِيَةً تَنسابُ في الزُهورِ

تَصوَّرِ المَصدورَ في خدَّيهِ … تَوَرُّدٌ يَطفو الصِبى عَلَيهِ

تَخالُه الرَبيعَ عِند فَجرِه … إِن أَنتَ لَم تَسمَع سُعالَ صَدرِه

وَوَجلا غَصَّ بِبَلعِ ريقِه … فَاِستَجَد القَطرَةَ في إِبريقه

وَلَو دَوى أَنَّ هُناك عَقرَب … لآثَرَ الغَصَّ عَلى أَن يَشرَب

وَاِنظُر أَخيراً نَظرَةً سَريعَه … مُختَلَف الشُرور في الطَبيعَه

يَبدُ لَكَ المَقتُ إِذاً فَتَعلَم … كَيفَ أَرادَت وَردَةً جَهَنَّم

وَرَغِبَت غَلواءُ أَن تَزورا … أُمَّ الجُدودِ الأَقدَمينَ صورا

فَسافَرت يَخفرها الفَتاءُ … وَحُنسُهُ تَبارَكَت غَلواءُ

فينيقيا وَمجدُها المُشَيَّدُ … وَمُلكُها المُعَظَّمُ المُؤَيَّدُ

أَميرَةُ الفُنونِ وَالتِجارَه … وَمَنشَأُ العُلومِ وَالحَضارَه

سُلطانَةُ البِحارِ وَالأَسفارِ … مَليكَةُ البَرنيرِ وَالنُضارِ

لُؤلُؤَةُ العُروشِ وَالتيجانِ … وَمَطمَحُ اليونانِ وَالرومانِ

قائِمَةٌ كَالطَلَل المَهجورِ … عَلى مِياهِ شاطِيءٍ في صور