غَسلَ البَدرُ بِالضِياءِ الظَلاما – الياس أبو شبكة

غَسلَ البَدرُ بِالضِياءِ الظَلاما … وَبَكى وَالدُموعُ كانَت هِياما

وَمَشى النُجمُ خَلفَه بِخُشوعٍ … فَكَأَنَّ النُجومَ صارَت يَتامى

وحشةُ اللَيلِ وَالسَكينَةُ وَالصَم … تُ وَمرُّ النَسيمِ كانَ كلاما

فَكَأَنَّ الوُجودَ أَنطَقَه الحُز … نُ فَجاءَت أَلفاظُه آلاما

وَالفَضا شاخِصٌ إِلى الجَبلِ العال … لي يُناجي الربوعَ وَالآكاما

فَتُجيبُ الرُبوعُ بِالصَمتِ وَالدَم … عِ وَلا تنبسُ الشفاهُ اِحتِراما

فَصَليبُ الآثامِ ما زالَ حَيّاً … وَصَليبُ السَلامِ صارَ رُغاما

ما وَراءَ الأَدغالِ مرَّ خيال … حَمَّلَ القَلبَ أَدمُعاً وَكَلاما

كانَ يَمشي الطَريقَ مَهلاً وَلكِن … عِندَما قارَبَ الصَليبَ تَرامى

هذِهِ مجدليَّة الحُزن جاءَت … تَطرَحُ الحُبَّ لِلمَسيحِ طَعاما

طالَما في الحَياةِ غذَّتهُ بِالحُ … بِّ وَروَّتهُ من هَواها مداما

إِنَّ لِلمَوتِ مُهجَةً وَفُؤاداً … يَنشدانِ الحَياةَ عاماً فَعاما

لا تَموتُ القُلوبُ إِن سَكَبَت في … جَوفِها أَنمُلُ السَماءِ غَراما

نَظَرَت نَظرَةَ الوَداعِ إِلَيهِ … فَبَكَت أَدمُع الهِيامِ سِجاما

وَرَأَت مِن جَبينِهِ الجُرحَ يُدمي … وَرَأَت فَوقَ وُجنَتَيهِ الحِماما

وَرَأَت يا لِهَولِ ما قَد رَأَتهُ … شَبَحَ الروحِ دامِعاً بَسّاما

شَبح الحُبِّ حامِلاً في يَدَيهِ … قَلبَ حَسناءَ خافِقاً مُستَهاما

هُو رَمز لِقَلب مَريَم رَمز … لِغَرامٍ رَأى الحَياةَ سآما

فَتَوارى يَنامُ في المَوتِ لكِن … قَد أَعَدَّ الخُلودَ فيهِ مناما

صَرَخَت مَريمٌ بِقَلبٍ جَريحٍ … أَبِظُلمٍ قَد نَفَّذوا الإِعداما

جِئتَ توحي روحَ السَلامِ إِلَيهِم … ما لَهُم عَزَّزوا بِكَ الآثاما

يا حَبيبي إِجعَل جُروحَ فُؤادي … أَن تُبَلّ الدماءُ مِنها أُواما

فَأُرَوّيكَ من دِمائي بِكَأسٍ … حَملت في شُعاعِها الأَيّاما

يا حَبيبي ما لِلزُّهورِ حَزانى … مُطبِقاتٍ عَلى الجَمالِ الكِماما

وَالغَديرُ المُنسابُ يَجري رَهيباً … مُنشِداً في نحيبِه الأَنغاما

ما لِعَينَيَّ تَغشيانِ رُوَيداً … وَرُوَيداً تُطارِدانِ الأَناما

آه إِنَّ العُيونَ بِالحُبِّ تَحيا … فَإِذا فورِقَت تَصيرُ أَيّامي

سَأُوافيكَ عَن قَريبٍ فَهَيّء … خَيمَةَ الحُبِّ بَينَ زَهرِ الخُزامى

فَتعيد الزُهورُ ذكرَ حَياةٍ … سنَّ فيها لَنا الغَرامُ نظاما

عِندَ هذا رَأس المَسيحِ اِستَقاما … فَإِذا الشَوك قَد تَخَطّى العِظاما

وَالجَبينُ المشوكُ ينسجُ لِلوَج … هِ مِن المَصلِ وَالدِماءِ لثاما

وَبِجُنحِ الدُجى أَفاقَ المَو … تِ بَكيّاً وَالدَمع كان هِياما

وَلَدُن أَبصَر الحَبيبَةَ تَبكي … أَطبَقَ الجفنَ في الخُلودِ وَناما

في سَماءِ الخُلودِ خيمَةُ زَهرٍ … حَيثُ عيسى وَمريمٌ قَد أَقاما

خيمَةٌ لِلهَوى يُبَطِّنُها الحُ … بُّ وَيَأبى وُجودُها الإِنصِراما

نعِمَ العاشِقانِ فيها طَويلاً … وَتَناسى قَلباهُما الأَسقاما

فَعَذابُ الساعاتِ كانَت خُلوداً … أَبديّاً وَلم تَكُن أَحلاما

وَاِستَفاقَ المَسيحُ من سُكرَةِ الحُ … بِّ يخالُ السَماءَ أَمسَت ضراما

فَرَأى الكَونَ بِاِضطِرابٍ عَظيمٍ … وَرَأى في شُعوبِهِ الإِجراما

سنَّةُ الظُلمِ سار كُلٌّ عَلَيها … وَغَدا العَدلُ شِرَّةً وَغُراما

وَاِستَمَرَّ اللَئيمُ في حوبَةِ اللُؤ … مِ فَأَمسَت كلُّ الشُعوب لئاما

فَرَّقَ الناسَ دينُهُم لا سَلامٌ … يَجعلُ الرفَ بَينَهُم وَالوئاما

فَسَلامُ الوَفاقِ صار حُروباً … وَصَليبُ الوِئامِ صارَ حُساما

فَبَكى اليَوم لِلسَّلام وَلكِن … ما بكاهُ بِالأَمسِ كان خِصاما