غمضت بغتة ً جفونُ الفناءِ – حيدر بن سليمان الحلي

غمضت بغتة ً جفونُ الفناءِ … فوق إنسانِ مقلة العلياءِ

وله نقبّت بغاشية الحزن … محيّا الدنيا يدُ النكباء

حمّلت وقر عبئها كاهلَ الدهـ … ـر فأمسى يرغو من الإعياء

نكبة ٌ لم تدعْ جليداً على الوجـ … ـد ولا صابراً على اللأواء

ليت أمّ الخطوب تعقمُ ماذا … أنتجت بغتة من الأرزاء؟‍

ولدت حين عنَّست هرماً ما … لم تلدْ مثله بوقت الصباء

فأصابت يداه في حرم المجدِ … فؤادَ العليا بسهم القضاء

فقضت نحبها، وغيرُ عجيبٍ … قد اُصيبت بأرأس الأعضاء

يا صريعَ الحمام صلى عليك … الله من نازلِ بربع الفناء

وسقى منه تربة ً ضمنت جسمَـ … ـك غيث الغفران والنعماء

فحقيرٌ نوءُ الجفون وما قد … رُ جفون السحاب والأنواء

أين عيس المنون فيك استقلت … بالحصيف المضفّر الآراء

ذهبت في معرس السفرِ جوداً … وروى حوَّم الأماني الظماء

نعم ربُّ النديِّ حلماً إذا النكـ … ـباءُ طارت بحوبة الحلماء

نعم ربُّ الحجى إذا أكل الطيـ … شُ حجى الحازمين في اللأواء

نعم ربُّ الندى إذا كسع الشولُ … بأغبارِها عيالَ الشتاء

نعم ربُّ القِرى إذا هبَّت الريـ … ـح شمالاً في الشتوة الغبراء

نعم ربُّ الجفان ليلة َ يُمسى … بضياهنَّ مقمرُ الظلماء

يا عفاء الأنام شرقاً وغرباً … دونكم فاحتبوا بثوب العفاء

واقصروا أعينَ الرجاء قنوطاً … مَن إليه تمتدُّ في البأساء؟؟

وانحبوا عن حريق وجدٍ لمن كا … ن عليكم أحنى من الآباء

“يستقلُ الحبا لكم إن وفدتم … ولو المشرقان بعضُ الحباء»

لو بكته عيونكم وأفضن الأ … بحرُ السبع والحيا في البكاء

لم تفوّه معشارَ ما قد أفاضت … لكم راحُ كفه البيضاء

رحّلوا العيسَ قاصدين ضريحا … فيه ما فيه من على َ وسخاء

واعقروا عنده وجلَّ عن العقر … قلوباً مطلولة السوداء

جدثٌ ماء عيشكم غاض فيه … فانضحوا فوقه دمَ الأحشاء

حلَّ فيه من قد كفى آدماً في … غيث جدواه عيلة الأبناء

«ليت شعري أنّى دنا الموت منه … وهو في ربع عزّة ٍ قعساء»

«هل أتاه مسترفداً حين أعطى … ما حوته يداه للفقراء»

ودَّت المكرماتُ أن تفتديه … ببينها الماجد الكرماء

هم مكانُ الجفون منها ولكن … هو في عينها مكان الضياء

وهم في الحياة موتى ولكن … هو ميتٌ يعدّ في الأحياء

فحبا نفسَه الردى إذ أتاه … مستميحاً يمشي على استحياء

بعد ما عاشت العفاة زماناً … من نداه في أسبغ النعماء

علمت فقرَها إليه ولم تعلم … إليه الردى من الفقراء

ياعقيدي على الجوى كبر الخطـ … ـبُ فاهون بالدمعة البيضاء

أجرِ من ذوب قلبك الدمعة الحمـ … ـراء حزناً في الوجنة الصفراء

عودُ صبري من اللحا قد تعرّى … فانبذ الصبرَ لوعة ً في العراء

إن تلسني عن ظلمة الكون لمّا … حُلن أنوارَ أرضه والسماء

فهو أَثوابُ ليل حزن دجاه … طبّق الخافقين بالظلماء

قد خفقن النجوم منه بجنحٍ … سامَ أنوارَهن بالإطفاء

ولبدر الغبراء حال أخوه … بدرُ أهل الغباء والخضراء

وإلى الشمس قد نعوه فماتت … جزعاً من سماع صوت النعاء

وله غصَّ بالمصاب ولمّا … يتنفس حتى قضى ابن ذُكاء

وقف المجد ناشداً يومَ أودى … شاحبَ الوجه كاسف الأضواء

هل ترى صالحاً على الأرض لما … غاب فيها المهديُّ بدر العلاء

قلت خفّض عليك من عظم الأمـ … ـر ونهنه من لوعة البرحاء

ليس إلا محمدٌ صالحٌ يوجد … في الأرض من بني حواء

في التقى والصلاح والزهد والخشـ … ـية والنسك بل وحسن الرجاء

هي في العالمين أجزاء لكن … هو كلٌّ لهذه الأجزاء

وبيوم المعاد لو لقَى الخلـ … ـقَ بأعماله إلهُ السماء

كان حقاً أن يعدم النار إذ ليس … نصيبٌ للنار في الأتقياء

ليس ينفكّ للجميل قريباً … وبعيداً عن خطة الفحشاء

ومهاباً له على أعين الدهر … قضى الكبرياءَ بالإغضاء

وبليغاً قد انتظمن معانيـ … ـه بسلك الإعجاز للبلغاء

وفصيحاً بنطقه يخرس الدهـ … ـرَ فما قدرُ سار الفصحاء

فارسُ المشكلات إن ندبوه … لبيان المقالة العوصاء

فهو من غرِّ لفظه يطعن الثغـ … ـرة َ منه بالحجة البيضاء

واحدُ الفضل ماله فيه ثانِ … غير عبد الكريم غيث العطاء

بعقود الثناء فخراً تحلّى … وتحلَّت به عقودُ الثناء

الذكيُّ الذي إذا قمتَ أهلَ الـ … ـفضل فيه كانوا من الأغبياء

والمصلّى للمجد خلف أخيه … في سباق الأشباه والنظراء

ضربا في العُلى بعرقٍ كريمٍ … واحدٍ دون سائر الأكفاء

ينتمي كلُّ واحدٍ منهما عنـ … ـد انتساب الأبناء للآباء

للكرام الأكفِّ تحسب فيهنَّ … يذوب الغمامُ يوم السخاء

معشرُ المجد، شيعة الشرف البا … ذخ، بيضُ الوجوه خضر الفِناء

قد حباهم محمدٌ بجميل الـ … ـذكر إذ كان صالح الأنباء

يقظُ القلب في حياطة دين اللّـ … ـه حتى في حالة الإغفاء

ذو يمين بيضاء لم تتغيَّرْ … بأثام البيضاء والصفراء

يا عليماً يصيب شاكلة الغيـ … ـب بتسديد أسهم الآراء

وكظيماً للحزن يطوى حشاه … جلداً فوق زفرة ٍ خرساء

لك ذلّت عرامة الدهر حتى … لك أمسى يُعدُّ في الوصفاء

ملكت رقّه يمينك فالعا … لم من رقّه من العتقاء

ولئن قد أساء فالعبدُ للمو … لى مسيءٌ جهلاً بغير اهتداء

أنتَ أطلقت أسر أعوامه الغبـ … ـر من الجدب بالندى والسخاء

فجنى ما جنى ، وغير عجيبٍ … إنما السوء عادة الطلقاءِ

ولئن كان مسخطاً لك بالأمـ … ـسِ بهذي المصيبة الصّماء

فلك اليوم في محمدٍ الندب … الرضا عنه فهو أعلى الرضاء

ذو محيّاً كالبدر يقطر منه … مثل طلّ الأنداء ماءُ الحياء

وعلاءٍ هي السماءُ، مساعيـ … ـه نجومٌ لألاؤها بالضياء

ومزاياً لم أرض نظميَ فيها … ولو أنَّي نظمتُ شهبَ السماء

أو فمُ الدهر كنتُ فيه لساناً … ناطقاً ما بلغتُ بعض الثناء

دون أحصائها الكلامُ تناهى … فغدت مستحيلة الأحصاء

تيَّمت قلبه حسانُ المعالي … بهواهنَّ، لا حسانُ الظباء

وعلى الخلقَ خلقُه فاض بالبشـ … ـر فأزرى بالروضة الغنّاء

خُلقٌ شفَّ، فالهواء كثيفٌ … عنده إن قرنته بالهواء

أرضعته العلاءُ ثدياً وثدياً … رضِع المصطفى ابنُ أمِّ العلاء

فهما في الزمان يقتسمان الـ … ـفخرَ دون الورى بحظٍ سواء

ألفت نفسُه السماحَ فتيّاً … بُوركا من فتوة ٍ وفتاء

وحوى الفضلَ يافعَ السنّ لمّا … فات شوطَ المشايخ العظماء

يا رحابَ الصدور في كل خطبٍ … وثقالَ الحلوم عند البلاء

لن تضلوا السبيلَ والبدرُ هادٍ … لكم في دجنَّة الغمّاء

وأخوه محمدٌ حلمكم فيه … حسينَ رأسٍ لدى النكباء

ولكم أوجهٌ بكل مهمٍّ … ليس منها يحول حسنُ الثناء

ونفوسٌ إذا التقت بالرزايا … غير مضعوفة القوى باللقاء

وكملس الصفا قلوبٌ لدى الخطـ … ـب بها رنَّ مقطعُ الأرزاء

إن أسمكم حسنَ الأسى ولأضعا … ف أساكم تضمَّنت أحشائي

فلكم بعضكم ببعضٍ عزاءٌ … ولنا فيكم جميل العزاء