عِظمٌ لَمْ تَسَعْهُ دَارُ الفَنَاءِ – خليل مطران
عِظمٌ لَمْ تَسَعْهُ دَارُ الفَنَاءِ … فَلْتَسَعْهُ في اللهِ دَارُ الْبَقَاءِ
يا أَمِيراً إلىَ ذُرَى العِزَّةِ القَعْ … سَاءِ أعْلًى مَكَانَةَ الأُمَرَاءِ
لَمْ تَكْنْ بِالضَّعِيفِ يَوْمَ أُصِبْ … تَ الأَمْرَ وَالأَمْرُ مَطْمَعُ الأَقْوِيَاءِ
فَتَنَكَّبْتَ عَنْهُ أَقْدَرَ مَا كُنْ … تَ عَلَى الاضْطِلاَعِ بِالأَعْبَاءِ
إِنَّمَا آثَرَتْ لَكَ النَّفْسُ حالاً … هِيَ أَسْمَى مَنَازِلِ النُّزَهَاءِ
عُدْتَ عُطْلاً وَلَيْسَ في النَّاسِ أَحْ … لَى جَبْهَةً مِنْكَ بَعْدَ ذَاكَ الإِبَاءِ
فجِعتْ مِصْرُ فِيكَ فَجْعَةَ أُمٍّ … فِي الأَعَزِّ الأغْلَى مِنَ الأَبْنَاءِ
في جوَادٍ جَارَى أَبَاهُ وضما جَا … رَاهُ إِلاَّهُ بِالنَّدَى وَالسَّخَاءِ
أَوْرَدَ الفَضْل كُلَّ صَادٍ وَخَ … صَّ الجزْل مِنُه بِالعِلمِ وَالعُلَمَاءِ
أَرْيَحِيٌّ يَهْتزُّ لِلعَمَلِ الطَّيِّ … بِ مِنْ نَفْسِهِ بِلاَ إِغْرَاءِ
إِنَّمَا يَبْتَغِي رِضَاهَا وَمَايُعْنَ … ى بِشُكْرٍ مِنْ غَيْرِهَا وَثَنَاءِ
كَلِفٌ بِالجَمِيلِ يُسْدِيِهِ عَفْواً … مُتَجَافٍ مَوَاطِنَ الإِيذاءِ
لاَزَمٌ حَد رَبهِ غَيْرَ نَاسٍ … في مَقَامٍ مَا حُقَّ لِلْعَليَاءِ
كُلَّ شَأْنٍ يَسُوسُهُ يَبْلُغُ الغَا … يَةَ فِيهِ مِنْ هِمَّةٍ وَمَضَاءِ
ويَرَى الفَخْرَ أَنْ يَكُونَ طَلِيقاً … مِنْ قُيُودِ الظَّوَاهِرِ الْجَوْفَاءِ
كَانَ وَهْوَ الكَرِيمُ جِدَّ ضَنِينٍ … بِالإِذَاعَاتِ عَنْهُ وَالأَنْبَاءِ
فإِذَا مَا أُمِيطتِ الحُجْبُ عَنْ تِل … كَ المَسَاعِي الجِسَامِ وَالآلاَءِ
أَسْفَرَتْ بَيْنَ رُوْعَةٍ وَجَلاَلٍ … عَنْ كُنُوزٍ مَجْلُوَّةٍ مِنْ خَفَاءِ
كَانَ ذَاكَ الجَافِي العَبُوسُ المُحَيَّا … في المُعاطَاةِ أَسْمَحَ السُّمَحَاءِ
دونَ مَا تُنْكِرُ المَخَايِلُ فِيهِ … غُرَرٌ مِنْ شَمَائِلٍ حَسْنَاءِ
مِنْ حَياءٍ يُخَالُ كِبْراً وَمَا الكِبْ … رُ بِهِ غَيْرُ صُورَةٍ لِلحَيَاءِ
وَوفَاءٍ لِلآلِ وَالصَّحْبِ وَالأوْ … طَانِ في حِينِ عَزَّ أَهْلُ الوَفَاءِ
وَكَمَالٍ في الدِّينِ مِنْهُ وَفي الدُّنْ … يَا تَسَامَى بِهِ عَنِ النُّظَرَاءِ
يذْكُرُ الله في النَّعِيمِ وَلاَ يَنْ … سَاهُ إِنْ طَافَ طَائِفٌ مِنْ شَقَاءِ
فَهْوَ حَقُّ الصَّبُورِ في عَنَتِ الدَّهْ … رِ وَحَقُّ الشَّكُورِ في النَّعْمَاءِ
لمْ يَرَ النَّاسُ قَبْلَهُ في مُصَابٍ … مِثْلَ ذَاكَ الإِزْرَاءِ بِالأَرْزَاءِ
بُتِرتْ سَاقُهُ وَلَمْ يَسْمَعِ العُ … وَّادُ مِنْهُ تَنَفُّسَ الصُّعداءِ
جَلَدٌ لاَ يَكُونُ خَلَّةَ رِعْدِي … د وَلَمْ يُؤْتَهُ سِوَى البُؤَسَاءِ
كَيْفَ يَشْكُو ذَاكَ الَّذِي شَكَتِ الآسَا … دُ مِنْهُ في كُلِّ غِيلٍ نَاءِ
والذِي كَانَ بِاقْتِناصِ ضَوَارِي ال … غَابِ يُقْرِي الكِلاَب ذات الضَّرَاءِ
والَّذِي زَانَ قَصْرَهُ بِقِطَافٍ … مِنْ رُؤُوسِ الأيَائِلِ العَفْرَاءِ
أشْرفُ اللَّهْوِ لَهْوُهُ بِرِكُوبِ ال … هُوْلِ بَيْنَ المَجَاهِلِ الوَعْثَاءِ
بَاحِثاً عَنْ قَدِيمِهَا مُسْتَفِيداً … عِبَراً مِنْ تَبَدُّلِ الأَشْيَاءِ
سِيَرُ الأَوَّلِينَ كَانَتْ لَهُ شُغُ … لاً فَأَحْيَي دُرُوسَهَا مِنْ عَفَاءِ
وَتَوَلَّى تَنْقِيحَ مَا أَخْطَأَتْهُ … أُمَمٌ مِنْ حَقَائِقِ الصَّحْرَاءِ
فَإِذَا عُدَّ في بَلاَءٍ فَخَارٌ … لَمْ يُجَاوِزْ فخَارَ ذَاكَ البَلاَءِ
إنَّنِي آسِفٌ لِمِصْرَ وَمَا يَنْ … تَابُهَا في رِجَالِهَا العُظَمَاءِ
كَانَ مِمَّنْ بَنَوْا عُلاَهَا فَرِيعَتْ … بِانْقِضَاضِ البِنَاءِ بَعْدَ البِنَاءِ
لَمْ يُخَيِّبُ مَا دَامَ حَيّاً لَهَا سُؤْ … لاً وَكَائِنْ أَجَابَ قَبْلَ الدُّعَاءِ
فَإِذَا مَا بَكَى أَعِزَّتُهَا يَأْ … ساً فَمَنْ لِلعُفَاةِ بِالتَّأْسَاءِ
قَدْ حَسِبْنَا القَضَاءَ حِينَ عَفَا عَنْهُ … رَثَى لِلضِّعَافِ وَالفُقَراءِ
غَيْرَ أَنَّ الرَّجَاءَ مُدَّ لَهُمْ فِي … هِ قَلِيلاً قَبْلَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ
وَيْحَهُمْ مَا مَصِيرُهُمْ فَهُمُ اليَوْ … مَ وَلاَ عُوْنَ غَيْرُ لُطْفِ القَضَاءِ
أَيُّهَا الرَّاجِلُ الجَلِيلُ الَّذِي أَقْ … ضِيهِ نَزْراً مِنْ حَقِّهِ بِرِثَائِي
لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا إلى أنْ دَعَاكَ اللَّ … هُ إِلاَّ تَعَارُفُ الأَسْمَاءِ
زَالَ بِالأَمْسِ مَا عَرَاكَ فأَبْدَيْ … تُ سُرُورِي مُهَنِّئاً بِالشِّفَاءِ
وَأَنَا اليَوْمَ جَازِعٌ جَزَعَ الأَدْ … نَيْنَ مِنْ أُسْرَةٍ وَمِنْ خُلَصَاءِ
ذَاكَ حَقٌّ لِكُلِّ مَنْ نَفَعَ النَّا … سَ عَلَى الأَقْرِبَاءِ وَالبُعَدَاءِ
رَضِيَ الله عَنْكَ فَاذْهَبْ حَمِيداً … وَالقَ خَيْراً وَفُزْ بِأَوْفَى جَزَاءِ
نَعْمَةَ اللهِ يَا سَلِيلَةَ بَيْتٍ … رَاسِخٍ فَوْقَ هَامَةٍ الْجَوْزَاءِ
لَكِ مِنْ عَقْلِكِ الكَبِيرِ وَمِنْ ذِكْ … رَى الفَقِيدِ الخَطِيرِ خَيْرُ عَزَاءِ
أَنْتِ مَنْ أَنْتِ في مَكَانِكِ مِنْ وَا … لٍ وَمِنْ إِخْوَةٍ وَمِنْ آبَاءِ
وَسَتَهْدِينَ هَدْيَ أُمِّكِ في أَقْ … وَمِ نَهْجٍ لِفُضْلَيَاتِ النِّسَاءِ
عَجَباً أَتُوحِشُنِي وَأَنْتَ إِزَائِي … وَضِيَاءُ وَجْهكَ مَالِئُ سَوْدَائِي
لَكِنَّهُ حَقٌّ وَإِنْ أَبَتِ المُنَى … أَنَّا تَفَرَّقْنَا لِغَيْرِ لِقَاءِ
جَرَحُوا صَمِيمَ القَلبِ حِينَ تَحَمَّلُوا … اللهَ فِي جُرْحٍ بِغَيْرِ شِفاءِ
أَلطَّيِّبُ المَحْمُودُ مِنْ عُمْرِي مَضَى … وَالْمُفْتَدَى بالروحِ مِنْ خُلَصَائِي
لاَ بَلْ هُمَا مِنِّي جَنَاحاً طَائِرٍ … رُمِيَا وَلَمْ يَكُ نَافِعِي إِخْطَائِي
أَلصَّاحِبَانِ الأَكْرَمَانِ تَوَلَّيَا … فَعَلاَمَ بَعْدَ الصَّاحِبَيْنَ ثَوَائِي
لَمْ يَتْرُكَا بِرَدَاهُمَا غَيْرَ الشجَى … لأَخِيهِمَا مَا دَامَ في الأَحْيَاءِ
وَحِيالِيَ الخُلْطَاءُ إِلاّ أَنَّنِي … مُتَغَرِبٌ بِالعَهْدِ في خُلَطَائِي
أَيُرَادُ لِي مِنْ فَضْلِ مَا مَجُدَا بِهِ … إِرْثٌ إِذَنْ جَهِلَ الزَّمَانُ وَفَائِي
إِنْ نَحْيَ بِالذِّكْرَى فَلاَ تَبْدِيلَ في … صِفَةٍ وَلاَ تَغْيِيرَ في الأَسْمَاءِ
يَا صَاحِبَيَّ غَدَوْتُ مُنْذُ نَأَيْتُمَا … أَجِدُ الحَيَاةُ ثَقِيلَةَ الأَعْبَاءِ
لا لَيلَ عَافِيَةٍ هَجِعْتُ بِهِ وَلاَ … يَوْمٌ نَشِطْتُ بِهِ مِنَ الإِعْيَاءِ
أَنَا وَاحِدٌ في الجَازِعِينَ عَلَيْكُمَا … وَكَأَنَّمَا ذَاكَ البَلاءُ بَلاَئِي
فَإِذا بَدَا لَكُمَا قُصُورِي فَاعْذِرَا … أَوْ شَفَّعَا لي مُسْلَفَاتِ وَلاَئِي
مَهْلاً أَمِيرَ الشِّعْرِ غَيْرَ مُدَافَعٍ … وَمُعَزِّ دَوْلَتِهِ بِغَيْرِ مِرَاءِ
كَمْ أُمَّةٍ كَانَتْ عَلَى قَدْرِ الهَوَى … تَرْجُوكَ مَا شَاءَتْ لِطُولِ بَقَاءِ
مُتَمَكِّناً مِنْ نَفْسِهَا إِيمَانُهَا … إِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ حَيُوا لِفَنَاءِ
فَإِذا المَنَايَا لَمْ تَزَلْ حَرْبَ المُنَى … وَإِذَا الرَّزِيئَةُ فَوقَ كُلِّ عَزَاءِ
في مِصْرَ بَلْ في الشَّرْقِ مِنْهَا لَوْعَةٌ … سَدَّتْ عَلَى السُّلوَانِ كُلَّ فَضَاءِ
أَتَرَى مَوَيْجَاتِ الأَثِيرِ كَأَنَّهَا … حَسْرَى بِمَا تُزْجِي مِنَ الأَنْبَاءِ
بَعَثَ الشَّرَارُ بِهَا ثِقَالاً لَوْ بَدَا … مَا حُمِّلَتْ لَبَدَتْ نَطِافَ دِمَاءِ
جَزَعُ الكِنَانَةِ كَادَ لاَ يَعْدُو وَأَسَى … أُمِّ القُرَى وَمنَاحَةَ الفَيْحَاءِ
وَبِحَضْرَمَوْتَ عَلَى تَنَائِي دَارِهَا … شَكْوَى كَشَكْوَى تُونُسَ الخَضْرَاءِ
بِالأَمْسِ كَانَ هَوَاكَ يَجْمَعُ شَمْلَهَا … في فُرقَةِ النَّزَعَاتِ وَالأَهْوَاءِ
وَاليَوْمَ فَتَّ رَدَاكَ في أَعْضَادِهَا … مَا أَجْلَبَ البَأْسَاءَ لِلبَأْسَاءِ
أَفْدِحْ بِمَا يَلْقَاهُ آلُكَ إِنْ يَكُنْ … جَزَعُ الأَبَاعِدِ جَلَّ عَنْ تَأْسَاءِ
حُرِمُوا أَباً بَرًّا نَمَوْا وَتَرَعْرَعُوا … مِنْ جَاهِهِ في أَسْمَحِ الأَفْيَاءِ
وَكَفَقْدِهِمْ فَقْدَ الغَرانِيقُ العُلَى … عَلَمَ الهُدَى لِلفِتْيَةِ النُّجَبَاءِ
وَكَرُزْئِهِمْ رُزِئَ الرِّجَالُ مُرَحِّباً … عَفَّ اللِّسَانِ مُهَذَبَ الإِيمَاءِ
يَتَنَاوَلُونَ مِنَ الصَّحَائِفِ وَحْيَهُ … فَتَكُونُ كُلُّ صَحِيفَةٍ كَلِوَاءِ
مَا عِشْتَ فِيهِمْ ظَلْتَ بُلْبُلَ أَيْكِهِمْ … في الأَمْنِ وَالرِّئْبَالَ في الَّلأْوَاءِ
لَكَ جَوُّكَ الرَّحْبُ الَّذِي تَخْلُو بِهِ … مُتَفَرِّداً وَالنَّاسُ في أَجْوَاءِ
عَذَلُوكَ في ذَاكَ التَّعَزُّلِ ضِلَّةً … إنَّ التَّعَزُّلَ شِيمَة النُّزَهَاءِ
مَا كَانَ شُغْلُكَ لَوْ درَوْا إِلاَّ بِهِمْ … لَكِنْ كَرِهْتَ مَشَاغِلَ السُّفَهَاءِ
وَلَعَلَّ أعْطَفَهُمْ عَلَيْهِمْ مَنْ دَنَا … بِالنَّفْعِ مِنْهُمْ وَهْوَ عَنْهُمْ نَاءِ
أَحْلَلْتَ نَفْسَكَ عِنْدَ نَفْسَكَ ذُرْوَةً … تَأْبَى عَلَيْهَا الخَسْفَ كُلَّ إِبَاءِ
فَرَعَيْتَ نَعْمَتَكَ الَّتِي أَثَّلْتَهَا … وَرَعَيْتَ فِيهَا جَانِبَ الفُقَرَاءِ
تَقْنِي حَيَاءَكَ عَالِماً عَنْ خِبْرًةٍ … إِنَّ الخَصَاصَةَ آفَةُ الأُدَباءِ
وَتَرَى الزَّكَاةَ لِذِي الثَّرَاءِ مَبَرَّةً … مِنْهُ بِهِ وَوَسِيلَةً لِزَكاءِ
كَمْ مِنْ يَدٍ أَسْدَيْتَهَا وَكَسَوْتَهَا … مُتَأَنِّقاً لُطْفَ اليَدِّ البَيْضَاءِ
عَصْرٌ تَقَضَّى كُنْتَ مِلْءَ عُيُونِهِ … في أَرْبَعِينَ بِمَا أفَدْتَ مِلاءِ
يَجْلُو نُبُوغُكَ كُلَّ يُوْمِ آيَةً … عَذْرَاءَ مِنْ آيَاتِهِ الغَرَّاءِ
كَالشَّمْسِ مَا آبَتْ أَتَتْ بِمُجَدَّدٍ … مُتَنَوَّعٍ مِنْ زِينَةٍ وَضِيَاءِ
هِبَةٌ بِهَا ضَنَّ الزَّمَانُ فَلَمْ تُتَحْ … إِلاَّ لأَفْذَاذِ مِنَ النُّبَغَاءِ
يَأْتُونَ في الْفَتَرَاتِ بُوعِدَ بَيْنَهَا … لِتَهَيُّؤِ الأَسْبَابِ في الأَثْنَاءِ
كَالأَنْبِيَاءِ وَمَنْ تَأَثَّرَ إِثْرَهُمْ … مِنْ عِلْيَةِ العُلَمَاءِ وَالحُكَمَاءِ
رَفَعَتْكَ بِالذِّكْرَى إلى أَعْلَى الذُّرَى … في الخُلْدِ بَيْنَ أُولَئِكَ العُظَمَاءِ
مَنْ مُسْعِدِي في وَصْفِهَا أَوْ مُصْعِدِي … دَرَجَاتِ تِلْكَ العِزَّةِ القَعْسَاءِ
وَمُطَوِّعٌ لِي مِنْ بَيَانِيَ مَا عَصَى … فأَقُولَ فِيكَ كَمَا تُحِبُّ رِثَائِي
لي فِيكَ مِنْ غُرَرِ المَدِيحِ شَوَاردٌ … أَدَّتْ حُقُوقَ عُلاَكَ كُلَّ أَدَاءِ
وَوَفَتْ قَوَافِيهَا بِمَا أَمْلَى عَلَى … قَلَمِي خُلُوصُ تَجِلَّتِي وَإِخَائِي
مَاذَا دَهَانِي اليَوْمَ حَتَّى لاَ أَرَى … إِلاَّ مَكَانَ تَفَجُّعِي وَبُكَائِي
شَوقِي لاَ تَبْعَدْ وَإنْ تَكُ نِيَّةٌ … سَتَطُولُ وَحْشَتُهَا عَلَى الرُّقَبَاءِ
تَاللهِ شَمْسُكَ لَنْ تَغِيبَ وَإِنَّهَا … لَتُنِيرُ في الإِصْبَاحِ وَالإِمْسَاءِ
هِيَ في الخَوَاطِرِ وَالسَّرَائِرِ تَنْجَلي … أَبَداً وَتَغْمُرُهُنَّ بِالَّلأْلاَءِ
وَالذُّخْرُ أَبْقَى الذُّخْرِ مَا خَلَّفْتَهُ … مِنْ فَاخِرِ الآثَارِ لِلأَبْنَاءِ
هُوَ حَاجَةُ الأَوْطَانِ مَا دَالَتْ بِهَا … دُوَلٌ مِنَ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
سَيُعَادُ ثُمَّ يُعَادُ مَا طَالَ المَدَى … وَيَظَلُّ خَيْرَ مَآثِرِ الآباءِ
يَكْفِي بَيَانَكَ أَنْ بَلَغْتَ مُوَفَّقاً … فِيهِ أَعَزَّ مَبَالِغِ القُدَمَاءِ
بَوَّأْتَ مِصْرَ بِهِ مَكَاناً نَافَسَتْ … فِيهِ مَكَانَ دِمَشقَ والزَّوْرَاءِ
وَرَدَدْتَ مَوْقِفَهَا الأخِيرَ مُقَدَّماً … في المَجْدِ بَيْنَ مَوَاقِفِ النُّظَرَاءِ
لَكَ في قَريضِكَ خُطَّةٌ آثَرْتَهَا … عَزَّتْ عَلَى الفُصَحَاءِ وَالبُلَغَاءِ
مِنْ أَيِّ بَحْرٍ دُرُّةُ مُتَصَيَّدٌ … وَسَنَاهُ مِنْ تَنْزِيلِ أَيِّ سَمِاءِ
ظَهَرَتْ شَمَائِلُ مِصْرُ فِيهِ بِمَا بِهَا … مِنْ رِقَّةٍ وَنُعُومَةٍ وَنَقَاءِ
ترْخِيمُهَا في لَحْنَهِ مُتَسَامَحٌ … وَنَعِيمُهَا في وَشْيِهِ مُتَرَاءِ
شِعْرٌ سَرَى مَسْرَى النَّسِيمِ بِلُطْفِهِ … وَصَفَا بِرَوْعَتِهِ صَفَاءَ المَاءِ
تَرِدُ العُيُونُ عُيُونَهُ مَشْتَفَّةً … وَيُصِيبُ فِيهِ السَّمْعُ رِيَّ ظِمَاءِ
وَيَكَادُ يُلمَسُ فِيهِ مَشْهُودُ الرُّؤى … وَيُحَسُّ هَمْسُ الظَّنِّ في الحَوْبَاءِ
في الجَوِّ يُؤْنِسُ مَنْ يُحَلِّقُ طَائِراً … وَالدَّوِّ يُؤْنِسُ رَاكِبَ الوَجْنَاءِ
عَجباً لِمَا صرَّفْتَ فِيهِ فُنُونَهُ … مِنْ فِطْنَةٍ خَلاَّبَةٍ وَذَكَاءِ
فَلِكُلِّ لَفْظٍ رَوْنَقٌ مُتَجَدِّدٌ … وَلِكُلِّ قَافِيَةٍ جَدِيدُ رُوَاءِ
يُجْلَى الْجَمَالُ بِهِ كَأَبْدَعِ مَا انْجَلَتْ … صُوَرٌ حِسَانٌ في حِسَانِ مَرَائِي
وَلَرُبَّمَا رَاعَ الحَقِيقَةَ رَسْمُهَا … فِيهِ فَمَا اعْتَصَمَتْ مِنَ الخُيَلاَءِ
حَيَّاكَ رَبُّكَ في الَّذِينَ سَمَوْا إلَى … أَمَلٍ فأَبْلَوْا فيهِ خَيْرَ بَلاَءِ
مِنْ مُلْهَمٍ أَدَّى أَمَانَةَ وَحْيِهِ … بِعَزِيمَةٍ غَلاَّبةٍ وَمَضَاءِ
مُتَجَشِّمٍ بِالصَّبْرِ دُونَ أَدَائِهَا … مَا سِيمَ مِنْ عَنَتٍ وَفَرطِ عَنَاءِ
لِلْعَبْقَرِيِّةِ قُوَّةٌ عُلوِيَّةٌ … في نَجْوَةٍ مِنْ نَفْسِهِ عَصْمَاءِ
كَمْ أخَرَجَتْ لأُولى البَصَائِرِ حِكْمَةً … مِمَّا أَلَمَّ بِهِ مِنَ الأَرْزَاءِ
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَ المَشِيبُ بِرَأْسِهِ … مَا زَادَ جَذْوَتَهَا سِوَى إِذْكَاءِ
فَالدَّاءُ يُنْحِلُ جِسْمَهُ وَنَشَاطُهَا … بِسُطُوعِهِ يُخْفِي نَشَاطَ الدَّاءِ
جِسْمٌ يُقَوِّضُهُ السَّقَامُ وَهَمُّسهَا … مُتَعَلِّقٌ بِالخَلْقِ وَالإِنْشَاءِ
عَجَباً لِعَامَيْهِ اللذَيْنِ قَضَاهُمَا … في الكَدِّ قَبْلَ الضَّجْعَةِ النَّكْرَاءِ
عَامَا نِزَاعٍ لَمْ تُهَادِنُ فِيهِمَا … نُذُرُ الرَّدَى وَشَوَاغِلُ البُرَحَاءِ
حَفَلاَ بِمَا لَمْ يَتَّسِعْ عُمْرٌ لَهُ … مِنْ بَاهِرِ الإِبْدَاعِ وَالإِبْدَاءِ
فَتْحٌ يَلي فَتْحاً وَصَرْحٌ بَاذِخٌ … في إِثْرِهِ صَرْحٌ وَطِيدُ بِنَاءِ
هَذا إلى فِطَنٍ يُقَصِّرُ دُونَهَا … مَجْهُودُ طَائِفَةٍ مِنَ الفُطَنَاءِ
مِنْ تُحْفَةٍ مَنْظُومَةٍ لِفُكَاهَةٍ … أَوْ طُرْفَةٍ مَنْظُومَةٍ لِغِنَاءِ
أَوْ سِيرَةٍ سِيقَتْ مَسَاقَ رِوَايَةٍ … لِمَوَاقِفِ التَّمِثيلِ وَالإلقَاءِ
تَجْرِي وَقَائِعُهَا فَتَجْلُو لِلنُّهَى … مِنْهَا مَغَازِيَ كُنَّ طَيَّ خَفَاءِ
فَإِذا الحَيَاةُ عُهِيدُهَا وَعِتِيدُهَا … مَزْجٌ كمزج المَاءِ وَالصَّهْبَاءِ
تَطْفُو حَقَائِقُهَا عَلَى أَوْهَامِهَا … وَتَسُوغُ خَالِصَةً مِنَ الأَقْذاءِ
يَا مَنْ صَحِبْتُ العُمْرَ أَشْهَدُ مَا نحا … في الشِّعْرِ مِنْ مُتَبَايِنِ الأَنْحَاءِ
إِنِّي لَيَحْضُرُنِي بِجُمْلَةِ حَالِهِ … مَاضِيكَ فِيهِ كَأَنَّهُ تِلقَائِي
مِنْ بَدْئِهِ وَحَجَاكَ يِفْتَحُ فُتْحَهُ … لِلحِقبَةِ الأدَبِيَّةِ الزَّهْرَاءِ
حَتَّى الخِتَامِ وَمِنْ مَفَاخِرِ مَجْدِهِ … مَا لَمْ يُتَحْ لِسِوَاكَ في الشُّعَرَاءِ
فَأَرَى مِثَالاً رَائِعاً في صُوَرَةٍ … لِلنِّيل تُمْلأُ مِنْهُ عَيْنُ الرَّائِي
أَلنِّيلُ يَجْرِي في عَقِيقٍ دَافِقٍ … مِنْ حَيْثُ يَنْبُعُ في الرُّبَى الشَّمَّاءِ
يَسْقِي سُهُولَ الرِّيفِ بَعْدَ حُزُونِهِ … وَيُدِيلُ عُمْرَاناً مِنَ الإقْوَاءِ
مَا يَعْتَرِضْهُ مِنَ الحَوَاجِزِ يَعْدُهُ … وَيَعُدْ إلىَ الإِرْوَاءِ وَالإِحيَاءِ
حَتَّى إِذا رَدَّ الفَيَافِيَ جَنَّةً … فِيمَا عَلاَ وَدَنَا مِنَ الأَرْجَاءِ
أَوْفَى عَلَى السَّدِّ الأَخِيرِ وَدُونَهُ … قُرْبَ المَصِيرِ إلىَ مُحِيطِ عَفَاءِ
فَطَغَى وَشَارَفَ مِنْ خِلاَفِ زَاخِراً … كَالبَحْرِ ذِي الإِزْبَادِ وَالإِرْغَاءِ
ثُمَّ ارْتَمَى بِفُيُوضِهِ مِنْ حَالِقٍ … في المَهْبِطِ الصَّادِي مِنَ الْجَرْعَاءِ
فَتَحَدَّرَتْ وَكَأَنَّ مُنْهَمِرَاتِهَا … خُصَلٌ مِنَ الأَنُوَارِ وَالأَنْدَاءِ
مَسْمُوعَةُ الإِيقَاعِ في أَقْصَى مَدًى … جَذْلَى بِمَا تُهْدِي مِنَ الآلاَءِ
إِنْ أَخْطَأَتْ قُطْراً مَوَاقِعُ غَيْثِهَا … أَحْظَتْهُ بِاللَّمَحَاتِ وَالأَصْدَاءِ
للهِ دَرُّ قَرِيحةٍ كانَتْ لَهَا … هَذِي النِّهَايَةُ مِنْ سَنىً وَسَنَاءِ
رَفَعَتْكَ مِنْ عَلْيَاءَ فانِيَةٍ إلىَ … مَا لَيْسَ بِالفَانِي مِنَ العَلياءِ