عَمَّ الْحَيَا، وَاسْتَنَّتِ الْجَدَاوِلُ – محمود سامي البارودي

عَمَّ الْحَيَا، وَاسْتَنَّتِ الْجَدَاوِلُ … وَفَاضَتِ الْغُدْرَانُ وَالْمَنَاهِلُ

وَازَّيَّنَتْ بِنَوْرِهَا الْخَمَائِلُ … وَ غردتْ في أيكها البلابلُ

وَ شملَ البقاعَ خيرٌ شاملُ … فصفحة ُ الأرضِ نباتٌ خائلُ

وَجَبْهَة ُ الْجَوِّ غَمَامٌ حَافِلُ … وَ بينَ هذينِ نسيمٌ جائلُ

تندى بهِ الأسحارُ وَ الأصائلُ … كأنما النباتُ بحرٌ هائلُ

وَلَيْسَ إِلاَّ الأَكَمَاتِ سَاحِلُ … و شامخُ الدوحِ سفينٌ جافلُ

مُعْتَدِلٌ طَوْراً، وَطَوْراً مَائِلُ … تهفو بهِ الجنوبُ والشمائلُ

وَالْبَاسِقَاتُ الشُّمَّخُ الْحَوَامِلُ … مشمورة ٌ عنْ سوقها الذلاذلُ

ملوية ٌ في جيدها العثاكلُ … معقودة ٌ في رأسها الفلائلُ

للبسرِ فيها قانئٌ وَ ناصلُ … مُخَضَّبٌ، كَأَنَّهُ الأَنَامِلُ

كَأَنَّهُ مِنْ ذَهَبٍ قَنَادِلُ … منَ العراجينِ لها سلاسلُ

للمجنونِ بينها أزاملُ … تخالها محزونة ً تسائلُ

لَهَا دُمُوعٌ ذُرَّفٌ هَوَامِلُ … كأنها أمُّ بنينَ ثاكلُ

فِي جِيدِهَا مِنْ ضَفْرِهَا حَبَائِلُ … منَ القواديسِ ، لها جلاجلُ

تَدُورُ كَالشُّهْبِ لَهَا مَنَازِلُ … فَصَاعِدٌ، وَدَافِقٌ، وَنَازِلُ

وَ الماءُ ما بينَ الغياض سائلُ … تحنو على شطانهِ الغياطلُ

كَأَنَّهَا حَوَائِمُ نَوَاهِلُ … وَالطَّيْرُ فِي أَفْنَانِهَا هَوَادِلُ

تزهو بها الأسحارُ وَ الأصائلُ … فانهض إلى نيلِ المنى يا غافلُ

وَ انعمْ ، فأيامُ الصبا قلائلُ … وَ المرءُ في الدنيا خيالٌ زائلُ

وَ الدهرُ للإنسانِ يوماً آكلُ … وَ كلُّ شيءٍ في الزمانِ باطلُ