عَزِيزٌ غُرُوبُ البِكْرِ فِي بُكْرَةِ العُمْرِ – خليل مطران

عَزِيزٌ غُرُوبُ البِكْرِ فِي بُكْرَةِ العُمْرِ … كَغَيْبَةِ شَمْسِ الأُفْقِ فِي طَلْعَةِ الفَجْرِ

فَيَا شَمْسُ سَرْعَانُ القَضَاءِ تَهَجُّماً … عَلَيْكِ وَلَمْ يُمَهِلكِ فِي السَّبْعِ وَالعَشْرِ

خَطِيبَةُ شَهْرٍ سَابَقَ المَوتُ بَعْلَهَا … إِلَيْهَا فَأَغْوَاهَا وَلَكِنْ عَلى طُهْرِ

أَتَاهَا عَلى غَيْرِ ارْتِقَابٍ بِخِدْرِهَا … سَرِيعاً خَفِيفاً خَارِقَ الحُجْبِ كالفِكرِ

وَقَبَّلَهَا فَاسْتَلَّ جَوْهَرَ رُوحِهَا … وَأَبْقَى عَلى رَسْمٍ كَبَعْضِ الدُّمَى الغُرِّ

كَذَلِكَ نِيرَانُ الصوَاعِقِ تَنْثَنِي … عَنِ التُّرْبِ إِعْرَاضاً وَتَأْخُذُ بِالتِّبْرِ

فَلَما نَعَوْا تِلْكَ الْفَتَاةَ لأُمِّهَا … أَلَمَّ بِهَا سُكْرٌ وَمَا هِيَ فِي سُكْرِ

عَرَاهَا خَبَالٌ فهْيَ تَرْقُصُ تَرْحَةً … وَتَنْشُدُ أَصْوَاتَ السُّرُورِ وَلا تدْرِي

وَتهْذِي مِن الحُمَّى بِمَا شَاءَ ثكْلُهَا … وَيَنْهَلُّ مِنْ أَجْفَانِهَا الدَّمْعُ كَالقَطْرِ

بُنَيَّةُ لا بَأْسٌ عَلَيْكِ مِنَ الرَّدَى … فَإِنَّكِ فِي أَمْنٍ لَدَى بَعْلِكِ الحُرِّ

عَرُوسٌ يُفَدِّيهَا بِمُهْجَتِهِ فَتى … لَهَا أَرْخَصَ الدُّرِّ الغَوَالِيَ فِي المَهْرِ

فَيَا أَفْرَسَ الفُرْسَانِ فِي حَوْمَةِ الوَغَى … إِذَا سَالَتِ الأَسْيَافُ بِالأَنْفُسِ الحُمْرِ

تَخِذناكَ بَعْدَ اللّهِ حامِي دَارِنا … ولَيْسَ لَنَا عَوْنٌ سِوَاكَ عَلى الضُّرِّ

فَكَيْفَ يَنَالُ المَوْتُ مَنْ أَنْتَ عَاصِمٌ … فَيَخْطِفُهَا مِنِّي وَيَسْلَمُ مِنْ وِتْرِ

لِمَنْ تَسْتَعِدُّ السَّيْفَ كُنْتُ أَوَدُّهُ … يُرَوِّي الثَّرَى الظَّمْآنَ مِنْ مُهْجَةِ الدَّهْرِ

أَعِدَّوا لَهَا ثَوَبَ الزَّفافِ مُرَصَّعاً … وَصُوغُوا لَهَا الحَليَ الثَّمِينَ مِنَ الدُّرِّ

وَلا تُنْكِرُوا هَذَا السُّكُونَ بِنَوْمِهَا … أَلَيْسَ كَذَا نَوْمُ المُحَصَّنَةِ البِكْرِ

وَدَمْعِي دمْعُ الأُمِّ فِي عُرْسِ بِنْتِهَا … فَلا تُنْكِرُوُه لَيْسَ فِي الدَّمْعِ مِنْ نُكْرِ

لَكِ اللّهُ مَا أَبْهَى زَفَافَكِ إِنَّهُ … تَفَرَّدَ مَا بيْنَ الموَاكِبِ فِي مِصْرِ

وَلَكِنْ لِمَ الأَيْدِي تُقِلُّكِ فَوْقَهَا … مُوسَّدَةً وَالصَّاحِبَاتُ بِلا عِطْرِ

يَضُمُّكِ نَعْشٌ أَمْ أَرِيكَةُ زَفَّةٍ … ويَحْفِلُ قوْمٌ لِلسُّرُورِ أَمِ الأَجْرِ

أَلاَ إِنَّ هَذَا مَوْكِبُ المَوْتِ زَانَهُ … لَكِ الأَهْلُ بِالطَّرْزِ الأَنِيقِ وَبِالزَّهْرِ

وَأُمُّكِ لاَ يَكْفي التَّفَجُّعُ قَلْبُهَا … إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي صُوَرَةِ السَّعْدِ وَالبِشْرِ

فَيَا شَمْسَ حُسْنٍ بَكَّرَتْ فِي زَوَالِهَا … لَئِنْ غِبْتِ فَالزَّهْرُ الثَّوَابِتُ فِي الإِثْرِ

بَكَيْتُكِ لا أَني عَرَفتُكِ إِنَّما … لِخَطبِكِ هَذا كُلُّ ناضِبَةٍ تَجْرِي