عَزَاءِ الحِجَى وَالألْمَعِيَّةِ وَالنُّبْلِ – خليل مطران

عَزَاءِ الحِجَى وَالألْمَعِيَّةِ وَالنُّبْلِ … فَفِي كُلِّهَا امْرَءًا فَاقِدَ المِثل

تَوَلَّيْتَ يَا عَلاَّمَةَ الشَّرْقِ فَالأَسَى … إِلى الغَرْبِ مُمْتَدُّ السَّحَابَةِ وَالظلِّ

سَلاَمٌ عَلَى الفَرْدِ الَّذِي فِي خِصَالِهِ … تَلاَقَتْ خِلاَلُ مَجْمُوعَةَ الشَّمْل

سَلاَم عَلَى ذَاكَ الذَّكَاءِ الَّذِي خَبَا … وَذَاكَ المُحَيَّا السَّمْحِ غُيِّبَ فِي الرَّمْل

سَلاَمٌ عَلَى ذاكَ الْفُؤادِ الَّذِي سلا … وَمَا كَانَ إِلاِّ بِالمَحَامِدِ فِي شُغْلِ

سَلاَمٌ عَلَى الآدَابِ أَجْمَلَ مَا بَدَتْ … لَنَا فِي الفَتَى غَضِّ الإِهَابِ وَفِي الكَهْل

سَلاَمٌ عَلَى الأخْلاَقِ رِيضَتْ وَهُذِّبَتْ … فَلَمْ يَعْتَوِرْهَا النَّقْشُ بِالقَوْلِ وَالْفِعْل

سَلاَمٌ عَلَى أَصْفَى الرِّجَالِ مَوَدَّةً … وَأَبْرَئِهِمْ نَفْساً مِنَ الحِقْدِ وَالغِلِّ

إِذَا مَا قَضَى يَعْقُوبُ صَرُّوفَ نَحْبَهُ … فَمَهْمَا تَجِلِّي يَا صُرُوفَ النَّوى جِلِّي

تَدَاعَى بِنَاءُ المَجْدِ فِي عَالَمِ النُّهَى … وَنُكِّبَتِ الأعْلاَمُ فِي دَوْلَةِ الفَضْلِ

فَفِي مِصرَ جُرْحٌ مِنْ مُفَاجَأَةِ النَّوَى … ثَخِينٌ وَفِي لُبْنَانَ بَرْحٌ مِنَ الثُكْلِ

وَفِي كُلِّ أُفْقٍ يَنْطِقُ الضَّادَ أَهْلُهُ … غَمَائِمُ أَجْفَانٍ مُرَددَةُ الهَطْلِ

وَمِنْ عَجَبٍ أَنَّ الأُولَى فَازَ دُونَهُمْ … بِخَصِلِ الْعُلَى يَبْكُونَ مَنْ فَازَ بِالخَصْل

فَوَا حَرَبَا أَنْ تُخْتَمَ اليَوْمَ حِقْبَةٌ … فَكَكْتَ بِهَا الأعْنَاقَ مِنْ رِبْقَةِ الجَهْلِ

وَهَيَّأتَ فِتْياناً يُدِيلُونَ لِلْحِمَى … إِبَاءً وَعِزَّاً مِنْ هَوَانٍ وَمِنْ ذُلِّ

تَجَشَّمْتَ مَا تَنْبُو بِأَيْسَرِهِ القَوَى … وَلَمْ يَكُ مَا تَبْغِيهِ بِالمَطْلَبِ السَّهْل

فَأطْلَقْتَ فِي خَمْسٍ وَخَمْسِينَ حِجَّةً … مَنَائِرَ لِلْعِرْفَانِ هَادِيَةً السُّبْلِ

أَرَتْنَا وُجُوه الحَقِّ فِي كُلِّ مُعْضِلٍ … وَمِنْ دُوِنهَا الاسْتَارُ مُحْكَمَةُ السَّبْلِ

فَلَمْ يَخْفَ سِرُّ النَّجْمِ فِي حُبُكِ الدُّجَى … ولَمْ يَخْفَ كُنْهُ النَّجْمِ يَكْتَنُّ فِي الحَقْل

إِذا الشَّهْرُ ولَّى أَقْبَلَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ … بِسِفْرٍ جَدِيدِ البَحثِ فِي الفَصْلِ فَالفَضْل

كِتَابٌ يَلِيهِ صِنْوُهُ وَيُتمُّهُ … كَعِقْدٍ نَظِيمٍ مِنْ فَرَائِدَ تَسْتَتْلِي

وَفِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ يُدْرِكُ ذُو النُّهَى … مَدَارِكَ لَمْ تَخْطُرْ عَلَى الْقَلْب مِنْ قبلِ

صَحَائِفُ أَوْعَتْ مِنْ بَيَانٍ وَحِكْمَةٍ … جَنَى العقْلِ فِي أَطْوَارِهِ وَجَنَى النَّقْلِ

تَدَفَّقَ مِنْهَا العِلْمُ فِي كلِّ مَطْلَبٍ … بِأَبْلَغِ مَا يُوحِي وَأَفْصَحِ مَا يُمْلِي

أَنَرْتَ بِهَا الأَذْهَانَ أَيَّ إِنَارَةٍ … مُفَرِّقَةٍ بَيْنَ الحَقِيقةِ وَالبُطْلِ

فَيَا لَلْمَعَانِي مِنْ بَدِيعٍ وَرَائِعٍ … وَيَا لَلْمَبَانِي مِنْ رَفِيقٍ وَمِن جَزْلِ

وَيَا لَمَعِينِ الفِكْرِ لَيْسَ بِنَاضِبٍ … وَيَا لَصَحِيحِ اللَّفْظِ لَيْسَ بِمُعْتَلِّ

كَمَا كُنْتَ يَا يَعْقوبُ فَلْيَكُنِ الَّذِي … يَجِدُّ فَلاَ يُلْوِي بِلَهْوٍ وَلا هَزْلِ

ويُؤْثِرُ مِنْ دُونِ المَسَالِكِ مَسْلَكاً … يُجانِبُ أَسْبَابَ المَلاَمَةِ وَالعذْلِ

وَيَنْشُد غَايَاتِ الكَمَالِ مُثَابِراً … عَلَى مَا تُمِر الحَادِثَاتُ وَمَا تُحلِي

صَبُوراً عَلَى مَا يَسْتَفِزُّ مِنَ الأَذى … يَرَى الحَزْمَ فِي عُقْبَاهُ أَشْفى مِنَ الجَهلِ

عَلِيماً بِأَنَّ المَرْءَ فِي الدهْرِ ظَاعِنٌ … يُقِيمُ إِلى حِينٍ وَفِي عَقْبِهِ يُجْلِي

وَفِيّاً لِمَنْ وَاَلَى وَشَارَكَ ثَابِتاً … عَلَى العَهْدِ فِي خِصْبِ الحَياةِ وَفِي المحل

أَرَى اليَوْمَ فِي ذِكْرَاهُ آخِرَ صُورَةٍ … لِفانٍ قَوِيمِ العِطْفِ مُزْدَهِرِ الشَّكْل

عَلاَ تِبْرُ فَوْدَيهِ لُجَيْنُ مَشِيبهِ … سِوى لَمَعَاتٍ مُومِئَاتٍ إِلى الأصْل

بِمَسْمَعِهِ عَنْ قَالَةِ السُّوءِ نَبْوَةٌ … وَيُرْهِفُهُ مَا شَاءَ لِلحَقِّ وَالعَدْل

وَفِي نفسِهِ لِلأَرِيحِيَّةِ هِزَّةٌ … تَرَى إِثْرَهَا فِي وَجْهِهِ حِينَ تَسْتَجْلي

وَفِي طَيِّبِ الرِّزْقِ الَّذِي هُوَ كَاسِبٌ … زَكَاتَانِ مِنْ لُطْفِ الإِشارَةِ وَالبَذْلِ

تَقسَّمَ بيْنَ النَّفعِ للنَّاسِ قلبُه … وَبَيْنَ جَمِيلِ البِرِّ بِالصَّحْبِ وَالأهْل

وَأُوتِيَ حَظّاً فِي بَنِيهِ وَزَوْجِهِ … كَرِيماً عَلَى قَدْرِ المُرُوءَةِ وَالعَقْلِ

فَما مِثْلهُ بَيْنَ الأُبُوَّةِ مِنْ أَبٍ … وَمَا مِثْلُهُ بَيْن البُعُولَةِ مِنْ بَعْلِ

وَمَا فِي النَّسَاءِ الفُضْلَيَاتِ كَزَوْجِهِ … وَلاَ كَبَنِيهِ الغُرِّ فِي صالِحِ النَّسْل

جزَاهُ بِمَا أَهْدى مِنَ الخَيْرِ رَبُّهُ … وَعوَّضَنَا مِنْ ذَلِكَ اللَّيثِ بِالشِّبْلِ