عَرَضٌ تَقَضَّى لمَّ يَمُسِّ الْجوْهَرَا
عَرَضٌ تَقَضَّى لمَّ يَمُسِّ الْجوْهَرَا ... فالْحَمْدُ لِلْمَوْلى عَلى مَا قَدَّرَا
صَانَتْ فؤَادَكَ مِنْ لَدُنْهِ عِنَايَةٌ ... جَعَلَتْ شِفَاءَكَ لِلْعِنَايةِ مظْهَرَا
وَأَرَتْكَ مِنْ حُبِّ السَّرَائِرِ آيةً ... فِي غَيْرِ هاِتكَةِ السَّرائِرِ لا تُرَى
يَا نَيِّراً جِرْؤُ السِّقَامِ فَنَالهُ ... عَجَباً أَيقْتَحِمُ السِّقَامُ النَّيِّرَا
خِلْنَا مَكَانَتَكَ السَّنِيَّةَ مَأْمَناً ... مَنْ بَلَّغَ الأَدْوَاءَ هَتِيك الذُّرَى
هَزَّتْ لِحَادِثِكَ الربَى وَتحَرَّكَتْ ... لُجَجُ الأَثِيرِ ورُوِّعَتْ مُهَجُ الْوَرَى
وَكَأَنَّمَا فِي كُلِّ صدْرٍ غُصَّةٌ ... مِمَّا عرَا الصَّدْرَ الأَبرَّ الأَطهَرَا
رَيْبٌ تغشَّى كَالغَمَامِ فَمَا انْجَلى ... حَتَّى انْثَنَى صُوْتُ النَّذِيرِ مُبَشِّرا
هدَأَتْ نُفُوسُ الْجَازِعِينَ وبَدَّلَتْ ... فَرَحَا بِمَا شابَ الصَّفَاءَ وَكَدَّرا
فاغْنَمْ حياتَكَ بِالشَّبَابِ مُجَدِّداً ... والْعَيْشُ أَرْغدُ ما عَهِدْتَ وَأَنْضَرَا
وَاسْتَأْنَفِ الأَيَّامَ بَعْدَ مَتَابِهَا ... فِي نِعمةٍ أَوْفَى وَمَجْداً أَوْفَرَا
وَأَعِدْ إِلى هَذَا الْحِمى أَعْيَادهُ ... تَزْهُو وتُزْهِرَ فِي المَدَائِنِ وَالقُرَى
لا غَرْوَ أَنْ يهْوَى الأَمِيرَ اَلْمُفْتَدَى ... شَعْبٌ رَأَى فِيهِ الكَمَالَ مُصَوَّرَا
وَرَأَى حَمِيدَ بَلائِهِ فِي نَصْرِهِ ... حَتَّى نَجَا مِنْ رِقِّهِ وَتَحَرَّرَا
ورَآهُ لِلشُّورَى ظَهِيراً صادِقاً ... مُذْ سَاسَ فِي المُلْكِ الأُمُورِ وَدَبَّرَا
مُسْتَعْصِمٌ بِاللّهِ يَقْفُو دَائِماً ... سِيراً بِهَا الْعُظمَاءُ زَانُوا الأَعْصُرَا
مهْمَا يُجَشِّمُهُ هَوَاهُ لِقَوْمِهِ ... مِنْ طَائِلٍ لا يَلْفَهُ مُتَعَذِّرَا
إِيمَانُهُ يَحْمِيهِ فِي بأَسَائِهِ ... والصَّبْرُ عِدَّتُهُ إِلى أَنْ يَظْفُرَا
آدَابُهُ لَمْ يُؤْتَهَا إِلاَّ امْرُؤٌ ... صفَّى شَمَائِلَهُ التِّلادَ وَكَرَّرَا
فيَرَى الَّذِي يسْمُو إِليْهِ طَرْفُهُ ... رَوْضاً مِنَ الشِّيَمِ الْحِسَانِ مُنَوَّرا
يَا منْ لَهُ مِنْ نَبْعتَيْهِ عِزةٌ ... ليسَتْ تُسَامَى مَظْهراً أَوْ مَخْبَرا
فِي كُلِّ شأْنِكَ وَالوِصَايَةُ بَعْضُهُ ... كُنْتَ النَّزِيهَ الحَازِمَ الْمُتَبَصِّرَا
وَجلوْتَ لِلدُّنْيا خِلالَ إِمَارَةٍ ... جَعَلَتْكَ فِي كُلِّ الْقُلوبِ مُؤَمَّرَا
لِلْعِلْمِ وَالآدَابِ مِنْكَ رِعَايَةٌ ... أَكَّدْتَهَا بِمآثِرَ لا تُمْتَرَى
أَشْرَعْنَ فِكْرَكَ لِلْقَرائِحِ مَوْرِداً ... وَجَعَلنَ شُكْرَكَ لِلْمَدَائِحِ مَصْدَرَا
وَإِلى الْفنُونِ صَرَفْتَ فِطْنَةَ جَهْبَذٍ ... يَتَخَيَّرُ الأَحْرَى بِانْ يتَخَيَّرَا
بَيْنَ الطَّرِيفَةِ وَالعَتِيقَةِ تُنْتَقَى ... مَا هَيَّأَتْهُ يَدُ الصَّنَاعِ ليُذْخَرَا
طُوَّفْتَ فِي شَرْقِ الْبِلادِ وَغرْبِهَا ... مُسْتَطْلِعاً مُسْتَقْصياً مُسْتَخْبِرا
تَفْرِي الفِرَا وَلا مَرَدَّ لِهِمَّةٍ ... جُبْتَ البُرُورَ بِهَا وَجُزْت الأَبْحُرَا
وَبِوَصْفِكَ الأَسْفَارَ فِي أَسْفَارِهَا ... أَحْضَرْتَهَا مَنْ فَاتَهُ أَنْ يحْضُرَا
كمْ مِنْ مَغَالِقَ لِلْعُقُولِ فَتَحْتَهَا ... للّهِ دَرَّكَ بَاحِثاً وَمُفَكِّرَا
أَنَّى عَلى طِيبِ الزَّمَانِ وَخُبْثِهِ ... مِمَّنْ يُعَمِّرُ وِدَّهُ مَا عمَّرَا
وَسَجِيَّتِي رَعْيِ الذِّمَامِ لِمُجْمَلٍ ... أَأَقَلَّ مِنْ إِجْمَالِهِ أَوْ أَكْثَرَا
هَيْهَاتَ أَنْ أَنْسَى يَداً لَكَ طَوَّقَتْ ... عُنُقِي وَشِيمَةُ مَنْ وَفَى أُنْ يَذْكُرَا
قُلِّدتَهَا وَبَنُو أَبِي وَعَشِيرَتِي ... قِدَماً فَقَلِّدْنَا الْفِخَارَ الأَكْبَرَا
وَلَقَدْ شَكَرْتُ بِمَا اسْتَطعْتُ وَحاجَتِي ... مَا دُمْتُ حَيّاً أَنْ أَعُوْدَ فَأَشْكُرَا
عَوْدُ السَّلامَةِ كانَ أَيْمَنَ نَهْزَةٍ ... لأَبُثَ مَوْلايَ الوَلاءَ المُضْمِرَا