عَادَ حقّاً أَنَّ الْمَحَلَّةَ كُبْرَى – خليل مطران

عَادَ حقّاً أَنَّ الْمَحَلَّةَ كُبْرَى … بَعْدَ تَعْطِيِلهَا مِنَ النَّعْتِ دَهْرَا

فاحْمِدُوا اللّهَ بُكْرَةً وأَصِيلا … يَا بَنِيهَا ثمَّ احْمِدُوا بَنْكَ مِصْرا

هَذه غُرَّةُ الْمَآثِرِ فِيمَا … لَكَ يَا حَرْبُ منْ مَآثِرَ أُخْرى

قَدْ عَرفْنَاك كاتِباً وخَطِيباً … وَحَسِيباً وَفَوقَ ذِلكَ دِثرا

مَا عَرَفْناك وَالْقَوَافِي بِناءٌ … قبْلَ هَذي الأَبْياتِ تُنْشِئُ شِعْرا

رَاعَ أَلْبَابَنا بِكُلِّ بَيَانٍ … وبَديعٍ ما كَانَ بِالأَمْسِ فِكْرَا

خلَقْتَ بَلْدَةً نطالِعُ شَطْرَاً … مِنْ أَعَارِيضِهَا ونَتْركُ شَطرَا

شَيَّدْتَ مِنْ صِغَارِ صَوْبٍ إِذَا مَا … إِسْتَمْسكَتْ عَادَ أَجمُعُ الصرْحِ صَخْرا

بُطِّنَتْ بِالْحَديدِ وَاخْتَلَفَتْ … أَصْوَاتُ آلاتِهَا أَزِيزاً وَزَأْرَا

وَأُدِيرَتْ بِمَا يُبَددُهُ الْمَاءُ … وَأَنْفَاسُهُ الطَّلِيقَةُ حَرَّى

وَأُنِيرَتْ بِمَا تُوَلَّدْ مِنْ كُلِّ … شِهَابٍ فِي جَوْفِهَا كانَ سِرَّا

خَلَقْتَ بَلْدَة لِنَسِيجٍ وَغزْلٍ … وَضُرُوبٌ مِنَ الصِّنَاعَاتِ تَتْرَى

حَيْثُ كَانَ الْبُسْتانُ يَنْبُتُ زَهْراً … مَصْنَعٌ لِلأَلْوَانِ يَنْبُتُ زَهْرَا

أَرَأَيْتَ الْحَرِيرَ وَالْقُطْنَ … وَالْكُتانَ وَالصُّوفَ فِيه نَظْماً وَنَثْرا

وَثِياباً مِنْ كُلِّ لَوْنٍ وَنَقْشٍ … مِلْءَ عَيْنِ البَديعِ طَيّاً وَنَشرا

مكَثَتْ مِصْرُ حِقْبَةً وهْيَ تَجْنِي … مِن جَنَاهَا حَمّاً وَتَحرُزُ نَزْرَا

وَعَنَتْها شَتَّى الشُّؤونِ وَلمْ … تحْفَلْ لِمَا كَانَ بِالعِنَايَة أَحْرَى

أَعْوَزَتْهَا سِيَاسَةُ الْمَالِ حَتَّى … عُدَّ إِثْرَاؤُهَا الْمُشَتَّتِ فَقْرَا

كَيْف تَثْرِي الأَقْوَامُ مِنْ غَيْرِ قَصْد … وَلَوِ الْخَصْبُ بدلَ التُّرْبَ تِبْرا

فَبِفضْلِ الزَّعِيمِ طَلْعَتَ حَرْبٍ … صُلِحَ الأَمْرُ بَعْدَ أَنْ كَان أَمْرَا

أَسَّسَ الْمَصْرِفَ الْكَبِيرَ فَكَانَ الأَصْلُ … وَامْتَدَّتِ التَّفارِيغُ كُثْرَا

وبَدَتْ قُوَّةُ التعَاوُنِ فِي … تحْقِيقِ مَا لا يُظَنُّ كَسْباً وَوَفْرَا

شَرِكَاتٌ مَصْرِيَّةٌ أَلِفَتْهَا … نهْضَةٌ تَمْلأُ الجوَانِحَ بُشْرَا

أَحْكَمَ الرَّأْيَ وَالتَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ … قدَّرَتْ أَخْلاقُهُ الرِّبْحَ دُرَّا

نَهْضَةٌ لَمْ تَخُصَّ مِصْرَ بِنُعْمَاهَا … وعَمَّتْ نوَاحِي الشَّرْقِ طُرَّا

فَأَرَتَنَا السَّفِينَ تنْقَادُ جَوّاً … وَأَرَتْناَ السَّفِينَ تَرتَادُ بَحْرَا

وَأَرَتْنَا كُبْرَى الصِّناعَاتِ قَامَتْ … بَعْدَ أَنْ كانَتِ الصِّناعَاتُ صُغْرَ

وَأَرتْنَا النُّبُوغَ فِي كلِّ مُجْلى … لِنَشاطِ الْعُقولِ يَطْلَلُ زهْرَا

وَأَرَتْنَا فِي حَومِة الْقصْدِ وَالتَّدْبِيرِ … زحْفَ الْجُيُوشِ كرّاً وَفَرَّا

وأَرتْنَا غَنَائِمَ الرِّبْحِ وَالأَرْزَاقِ … مِنها على ذَوِي الْحَقِّ تُجْرَى

وأَرتْنَا جَدْباً تَحوَّلَ خَصْباً … وَأَرتْنَا عُسْراً تَحَوَّلَ يُسْرَا

وأَرتْنَا حالاً تَفِيدُ بِهَا … الأَوطَانُ نَفْعاً وَفَوْقَ ذِلكَ فَخْرَا

يَا بَنِي مِصْرَ إِنَّ طَلْعتَ حَرْبٍ … لا يُجَارَى عَزْماً وَحَزماً وَبِرَّا

دُونَ هَذِهِ المَآثِرِ الْغُرِّ كَمْ … ذَلَّلَ صَعْباً لَكُم ومَهِّدَ وَعْرا

هلْ يُسامَى فِي الْمَجِد مُجْدُ عِصَامِيٍّ … بَنَى أُمَّتَهُ وأَحْدَثَ عَصْرا