عهد الشباب سقى أيامك الأولا – لسان الدين الخطيب
عهد الشباب سقى أيامك الأولا … سح من الدمع إن شح الحيا هطلا
وإن حبا الله حياها من يأت حيا … يوما وأسعف طالبا بما سألا
فجاد حيك منها غير مفسده … مجلجل يطأ الأوهاد والقللا
يغادر الدوح من بعد الذوى خظلا … يختال في حلل موشية وحلا
فكم لنا فيه إذ عهد الهوى كثب … وإذ خضاب شباب الفود ما نصلا
من عهد أنس تفيأت السرور لدى … روضاته وجنيت اللهو والغزلا
ومن شموس وأقمار إذا طلعت … كانت مشارقها الأستار والكللا
فاليوم لا وصل إلا أن نرى لهم … نهدي تحيتنا الأسحار والأصلا
يا لائمي وقد لج الغرام ذرا … لومي وإن كنتما في مرية فسلا
قد أنب اللوم قلبي في تقلبه … حولا وراود يثي مربعا كملا
لا الجفن مني على شحط المزار جفا … دمعي ولا القلب من بعد البعاد سلا
كم لذت بالدهر أن يدني النوى فأبى … وبالتعلل أن يجدي فما فعلا
وليس تروي غليلا أو تعل صدى … ظماء عزمك ما أودت هل أهلا
وفتية نحرت نحر الفلاة ضحى … بالعزم واتخذت ظهر الدجى جملا
أنضاء أفيح إن ظلوا وإن ظمئوا … شاموا الندى واستبدلوا البيض والأملا
غالت سوائمها شهب السنين فما … أبقت مراسا ولا حولا ولا مللا
تبغي الندى وحيث لج الجود مورده … عذب وتنتجع الأملاك والدولا
أجلت قدح سفاري في ركابهم … ففاز قداحي فيما رمته وعلا
حتى أنخنا المطايا في حمى ملك … عن منهج العدل والإحسان ما عدلا
لله يوسف في الأملاك إن وردت … عنه العفاة جنابا للندى خضلا
كانت مواهبه قبل اللقاء لهم … نهبا وكانت لهم جناته نزلا
جزل العطاء لو أن البحر نائله … لقل في جوده الفياض ما بذلا
آراؤه شهب تهدي وسيرته … ما إن ترى عوجا فيها ولا خللا
من دوحة الأزد حيث الحي من يمن … بشط غسان من بعد السرى نزلا
ثم استراد جناب الله خزرجه … حتى أحل بأعلى يثرب الحللا
من كل أروع تبدو في أسرته … سمات يعرب تأبى الشوب والدخلا
مطعام مسغبة إن ضن صوب حيا … مطعان هيجاء لا جبنا ولا بخلا
يأبى الموارد أن تؤتى مشارعها … حتى إذا أرسلت رعيانها الرسلا
ترى الملوك وقوفا دون مورده … لا يوردون به إلا إذا نهلا
حتى إذا أنزل الله الكتاب بما … أنار أبصار أرباب النهى وجلا
أوت نبي الهدى لما استجار بها … والناس في فترة قد كذبوا الرسلا
وجالدت دونه الأحزاب جاهدة … وجدلت بظبا برهانه الجدلا
فأصبحت في نواديها أدلته … تعلو وملته قد هاضت المللا
يا ناصر الدين لما قل ناصره … ومطلع الجود والإحسان قد أفلا
لولا التشهد والترداد منك له … لم يسمع الناس يوما من لسانك لا
… الجزيرة أمر لا تقر به … وهاج مرجلها من فتنة وغلا
فقر راجفها لما احتللت بها … ورضت بالعدل منها الميل فاعتدلا
واهتزت الأرض في ريعانها وربت … كأن ملكك شمس حلت الحملا
حتى إذا برقت للروع بارقة … أقبلتها البيض والعسالة الذبلا
وكلما عذلتك النفس وادعة … جعلت سيفك فيها يسبق العذلا
في فتية ذمرت منها العلا صعدا … قد ساغ صبر المنايا عندها وحلا
تضيء أوجهها والحرب كالحة … وشاب مفرقها بالنقع واكتهلا
لو رامت الشهب في أقصى مراكزها … لم تبق في الجو بهراما ولا زحلا
أرسلت منها على الأعداء داهية … دهياء ما وجدت في دفعها قبلا
حتى إذا سألتك السلم مائلة … حكمت فيها كتاب الله ممتثلا
وصرت والدين ضاح في هواجرها … ظلال أمن وسلم أمن السبلا
فكادت الشاء ترعى والذئاب معا … وكادت الناس فيها تأمن الأجلا
فدم وملكك للإسلام خير حمى … يغني الخطوب ويكفي الحادث الجللا
واسعد بعيد أعاد الدهر مبتهجا … في ظل ريعانه والسعد مقتبلا
وازلف بصوم حييت الذكر وافده … قرى وأخلصت فيه القول والعملا
أثنى عليك بما أوليت من عمل … بر وودع أرضى راحل رحلا
ودون ملكك من روض البيان نهى … أرحت فيها القوافي فاغتدت مثلا
تنبيك عن قدم في العرب راسخة … والطرف يعرف منه العتق إن صهلا