على السماءِ وفوقَ الشمسِ أشعاري – مصطفى صادق الرافعي

على السماءِ وفوقَ الشمسِ أشعاري … وتحتَ أصدافِ هذا اللُّجِّ أفكاري

وبينَ تلكَ وهاتا جرى قد قلمي … بمعجزِ الوصفِ من درٍّ وأنوارِ

أرى جمالاً تعالى أن أُلِمَ بهِ … وجلَّ خالقهُ من مبدعٍ باري

كأنما الكون غيداءٌ محجبةٌ … تطلُّ مشرقةً من خلفِ أستارِ

فالبحرُ مقلتها والبرُّ حاجبها … من فوقهِ جبهةٌ زينتْ بأقمارِ

أو كانَ ذا البحرُ ديباجُ السما وقد انْ … حلَّ الوشاحُ فها صدرُ السما عاري

أو هذهِ لبستْ من ليلها حُللاً … ومن كواكبها زرتْ بأزرارِ

أو إنما الشمسُ ظنتْ أنها خَطفتْ … بالحسنِ أبصارَ قومٍ دونَ أبصارِ

وحالتِ الأرضُ داراً للسما فلذا … أقامتِ البحرَ مرآة بذي الدارِ

يا مسكنَ الشُّهبِ الزهراء كم عجبٍ … بمعدنِ الدررِ الغرَّا وأسرارِ

إن تحملي فلكاًَ قد دارَ دائرهُ … فدونكَ اللجُّ دوَّارٌ بدوَّارِ

كلاكما حسنٌ والحسنُ بينكما … كالروضِ يأرجُ من أشتاتِ أزهارِ

إني ارى الشمسَ تحتَ البحرِ مطفأةً … والماءُ ما زالَ ذا بأسٍ على النارِ

كأنما هو كفُّ الأرضِ قد بسطتْ … إلى السماءِ فجادتها بدينارِ

أو غاصتِ الشمسُ تحتَ اللجِّ هاربةً … فما على الناسِ من همٍّ وأكدارِ

ألستَ تبصرها صفراءَ جازعةً … وفد خبا زندُ تلكَ الشعلةِ الواري

تشبهَ الناسُ طهراً بالملائكِ من … خبثِ لضميرِ وكانوا غيرَ أبرارِ

والبحرُ أفقهم من إفكهم وكذا … لا تحمل الأرضَ إلا كلّ غرّا رِ

لو أنصفوا لرأوهُ في تلججهِ … على البسيطةِ كالمستأسدِ الضاري

لكنَّ من ألفَ الأنغامَ مسمعهُ … يخالُ كلَّ زئيرٍ نفخُ مزمارِ

ما للخضّمِّ أراهُ كاشراً فزعاً … يخدّشُ لأرضَ من لجٍّ بأظفارِ

مجرداً في تدجيهِ صفيحتهُ … مستوفزاً بينَ بتّارٍ وتيارِ

يقيمهُ الموجُ حرداً ثمَّ يقعدهُ … ما بينَ منسحبٍ منهُ وجرَّارِ

والأفقُ مكتئبٌ حيناً ومبتسمٌ … ما بنَ ليلٍ دجوجيٍّ وأسحارِ

يا أيها الناسُ إنَّ البحرَ موعظةٌ … وضجّةُ البحرِ ليستْ غيرَ إنذارِ

فكم عليكم بهِ للهِ من حججٍ … هل يغفرُ الذنبَ إلا بعدَ أعذارِ

البحرُ ألين شيءٍ ملمساً فإذا … خاشنتموهُ بلوتمْ أيَّ جبَّارِ

ولو تساندَ كلُّ الخلقِ ما قدروا … أنْ يحبسوا موجةً من موجةِ الجاري

فكيفَ يُجحدُ ربُّ البحرِ قدرتهُ … وذلكم أثرٌ من بعضِ آثارِ

آمنتُ باللهِ ما شيءٌ أراهُ سدى … لكنها حكمٌ تجري بأقدارِ