عقدت بنصرك راية الإيمان – عماد الدين الأصبهاني

عقدت بنصرك راية الإيمان … وبدت لعصرك آية الإحسان

يا غالب الغلب الملوك وصائد الصيد … الليوث وفارس الفرسان

يا سالب التيجان من أربابها … حزت الفخار على ذوي التيجان

محمود المحمود ما بين الورى … في كل أقليم بكل لسان

يا واحدا في الفضل غير مشارك … أقسمت مالك في البسيطة ثان

أحلى أمانيك الجهاد وإنه … لك مؤذن أبدا بكل أمان

كم بكر فتح ولدته ظباك من … حرب لقمع المشركين عوان

كم وقعة لك في الفرنج حديثها … قد سار في الآفاق والبلدان

كم مصعب عسر المقادة قدته … نحو الردى بخزائم الخلان

قمصت قومصهم رداء من ردى … وقرنت رأس برنسهم بسنان

وملكت رق ملوكهم وتركتهم … بالذل في الأقياد والأسجان

وجعلت في أعناقهم أغلالهم … وسحبتهم هونا على الأذقان

إذ في السوابغ تحطم السمر القنا … والبيض تخضب بالنجيع القاني

وعلى غناء المشرفية في الطلى … والهام رقص عوامل المران

وكأن بين النقع لمع حديدها … نار تألق من خلال دخان

في مأزق ورد الوريد مكفل … فيه بري الصارم الظمآن

غطى العجاج به نجوم سمائه … لتنوب عنها أنجم الخرصان

يمتاح من قلب القلوب دماءها … بالسمر متح الماء بالأشطان

أو ما كفاهم ذاك حتى عاودوا … طرق الضلال ومركب الطغيان

يا خيبة الإفرنج حين تجمعوا … في حيرة وأتوا إلى حوران

جاؤوا وظنهم يعجل ربحهم … فأعدتهم بالخزي والخسران

وظنونهم وقلوبهم قد أيقنت … للرعب بالإخفاق والخفقان

وجلوت نور االدين ظلمة كفرهم … لما صدعت بواضح البرهان

وهزمتهم بالرأي قبل لقائهم … والرأي قبل شجاعة الشجعان

راحوا فباتوا تحت كل مذلة … وضربت منهم فوق كل بنان

ما في النصارى الغتم إلا من له … في الصلب بان الكسر والصلبان

ولوا وقلب شجاعهم في صدره … كالسيف يرعد في يمين جبان

فاروا من الفوار عند فرارهم … بالفور وامتدوا إلى المدان

وأزراها الشلالة الشل الذي … أهدى لهم شللا إلى الأيمان

ولى وجوههم سواد وجوههم … نحو السواد وآذنوا بهوان

حملت عليهم من جنودك فتية … لم تدر غير حمية الفتيان

زخرت بهم أمواج آجك في الوغى … غزرا وطم بهم عباب طمان

وتذمموا من حر باس محمد … وتهيبوا الحملات من عثمان

وبسيف جرديك المجرد غودروا … بدماء أهل الغدر في غدران

وبعين دولتك الذي قدمته … فقئت عيون الكفر والكفران

واليارقية أرقتهم في الدجى … بسهام كل حنية مرنان

أجفانهم نفت الغرار كما انتفى … ماضي الغرار بهم من الأجفان

بعلوا معسكر بعلبك وأبصروا … من جند بصرى برك كل جران

وكأنما الأكراد فوق جيادها … عقبان ملحمة على عقبان

ولطالما مهرت على نصر الهدى … أنصارك الأبطال من مهران

لم يترك الأتراك فيهم غاية … بالفتك والإرهاق والإثخان

من كل رام سهمه من وهمه … أهدى إلى إنسان عين الراني

ولك المماليك الذين بهم عنت … أملاك مصر لمالكي بغدان

هم كالصحابة يوم بدر حاولوا … نصر النبي ونبت عن حسان

الحائزون من السباق خصاله … في ملتقى حرب وفي ميدان

من كل مبسوط اليدين يمينه … ما تمتلي إلا بقبض يمان

لما رأى الداوي راونداءه … ولى بطاعون بغير طعان

طلب الفريري الفرار بطلبه … متباعدا من هلكه المتداني

والهنفرى مذهان فر مؤملا … لسلامة والهون شأن الشاني

باروا فبارونيهم بفنائه … مود وسيدهم أسير عان

أخلوا بلادهم فحل بأهلها … منك الغداة طوارق الحدثان

أنهضت حين خلت إليها عسكرا … أخلى قواعدها من البنيان

وشغلت جأشهم بجيش هدهم … فجنى ثمار النصرة الجيشان

وملأت بالنيران أربع أهلها … فتعجلوا الإحراق بالنيران

عادوا وحين رأوا خراب بيوتهم … يئسوا من الأوطار والأوطان

باؤوا بأحزان وخاضوا هولها … مما لقوا بمخاضة الأحزان

وقد استفاد المشركون تعازيا … والمسلمون تهاديا بتهان

أصبحت للإسلام ركنا ثابتا … والكفر منك مضعضع الأركان

قوضت آساس الضلال بعزمك الماضي … وشدت مباني الإيمان

قل أين مثلك في الملوك مجاهد … لله في سر وفي إعلان

لم تلقهم ثقة بقوة شوكة … لكن وثقت بنصرة الرحمان

ما زال عزمك مستقلا بالذي … لا يستقل بثقله الثقلان

وبلغت بالتأييد أقصى مبلغ … ما كان في وسع ولا إمكان

دانت لك الدنيا فقاصيها إذا … حققته لنفاذ أمرك دان

فمن العراق إلى الشآم إلى ذرى … مصر إلى قوص إلى أسوان

لم تله عن باقي البلاد وإنما … ألهاك فرض الغزو عن همذان

للروم والإفرنج منك مصائب … بالترك والأكراد والعربان

إعزازك الدين الحنيف وحزبه … قد خص أهل الشرك بالإهوان

أذعنت لله المهيمن إذ عنت … لك أوجه الأملاك بالإذعان

أنت الذي دون الملوك وجدته … ملآن من عرف ومن عرفان

في بأس عمرو في بسالة حيدر … في نطق قس وفي تقى سلمان

عمران عدلك للبلاد كأنما … قد عاش في أيامك العمران

خلدت في الآفاق ذكرا باقيا … أبد الزمان ببذل مال فان

سير لو أن الوحي ينزل أنزلت … في شأنها سور من القرآن

فاسلم طويل العمر ممتد المدى … صافي الحياة مخلد السلطان