عرس في القرية – بدر شاكر السياب

مثلما تنفض الريح ذرّ النضار
عن جناح الفراشة مات النهار
النهار الطويل
فاحصدوا يا رفاقي فلم يبق إلاّ القليل
كان نقر الدّرابك منذ الأصيل

يتساقط مثل الثمار
من رياح تهوم بين النخيل
يتساقط مثل الدموع

أو كمثل الشرار
إنها ليلة العرس بعد انتظار
مات حب قديم و مات النهار

مثلما تطفئ الريح ضوء الشموع
الشموع الشموع
مثل حقل من القمح عند المساء
من ثغور العذارى تعبّ الهواء
حين يرقصن حول العروس

منشدات نوار اهنئي يا نوار
حلوة أنت مثل الندى يا عروس
يا رفاقي سترنو إلينا نوار
من عل في احتقار

زهدتها بنا حفنه من نضار
خاتم أو سوار و قصر مشيد
من عظام العبيد
و هي يا رب من هؤلاء العبيد

و لو أنا و آباءنا الأولين
قد كدحنا طوال السنين
و ادخرنا على جوع أطفالنا الجائعين
ما اكتسبناه في كدنا من نقود

ما اشترينا لها خاتما أو سوار
خاتم ضم في ماسه الأزرق
من رفات الضحايا مئات اللحود
اشتراها به الصيرفيّ الشقي

مثلما تنثر الريح عند الأصيل
زهرة الجلنّار
أقفر الريف لمّا تولّت نوار

بالصبابات يا حاملات الجرار
رحن و اسألنها يا نوار

هل تصيرين للأجنبي الدخيل
للذي لا تكادين أن تعرفيه
يا ابنة الريف لم تنصفيه
كم فتى من بنيه

كان أولى بأن تعشقيه
إنهم يعرفونك منذ الصغر
مثلما يعرفون القمر
مثلما يعرفون حفيف النخيل
و ضفاف النهر

و المطر
و الهوى يا نوار
احصدوا يا رفاقي فإن المغيب
طاف بين الروابي يرش اللهيب

من أباريق مجبولة من نضار
و الزغاريد تصدى بها كل دار
أوقد القصر أضواءه الأربعين
فاتبعوني إليها مع الرائحين
اتركوني أغني أمام العريس

و أراقص ظلي كقرد سجين
و أمثّل دو المحب التعيس
ضاحكا من جراحات قلبي الحزين

من هواي المضاع
من قلوب الجياع
حين تهوي و من ذلة الكادحين
سوف آكل حتى ينزّ الدم

من عيوني فما زال عندي فم
كل ما عندنا نحن هذا الفم
كان وهما هوانا فان القلوب

و الصبابات وقف على الأغنياء
لا عتاب فلو لم نكن أغبياء
ما رضينا بهذا و نحن الشعوب