عاتبتُ دهري في الجناية ِ لو وعى – مهيار الديلمي

عاتبتُ دهري في الجناية ِ لو وعى … ونشدتهُ الحرمَ الوكيدة َ لو رعى

وطلبتُ منهُ بسلمهِ وبحربهِ … نصفاً فأعيا حاسراً ومقنَّعا

في كلِّ يومٍ عثرة ٌ منْ صرفهِ … لا تستقالُ بأنْ يقالُ لهالعا

جنِّبْ هواكَ ملوِّناً ساعاتهُ … بالعذرِ لا يعطيكَ حتَّى يمنعا

لولا التَّحاملُ بالمصائبِ لمْ يكنْ … بالمنفساتِ منَ الذّخائرِ مولعا

نزلتْ مثقِّلة ُ كفافكَ إنَّني … منْ قبلِ حملكَ موشكاً أنْ أظلعا

منْ ساءهُ صممُ المسامعُ إنَّني … يومَ العروبة ِ ساءني أنْ أسمعا

ونعى إليَّ أبو بكرٍ صباحها … لسفاههِ لو كانَ يعلمُ منْ نعى

يومٌ على الإسلامِ قبلكَ فرحة ٌ … ويكونُ بعدكَ حسرة ً وتفجُّعا

ومنَ الدّليلِ على مكانكَ في العلا … أنْ كانَ جمعُ صلاتهِ لكَ مجمعا

فكأنَّما داعي الأذانَ لفرضهِ … لكَ ساقهمْ وإليكَ تثويباً دعا

وشككتَ إذْ حملوكَ غيرَ مدافعٍ … بيدٍ فخطُّو في الثُّرى لكَ مضجعا

أعدوا على رجلٍ فواروا شخصهُ … أمْ طوَّحوا بيلملمٍ فتضعضعا

يا منْ عهدتُ العزَّ فوقَ جبينهِ … منْ رابَ عزّكَ فاقتضى أنْ يرجعا

منْ زمَّ مخطمكَ الأبيَّ فقادهُ … معْ طولِ ماجذبَ الحبالَ فقطَّعا

وحوى لرقيتهِ لجاجكَ فارعوى … ودعا نفاركَ فاستجابَ وأتبعا

وأرى معاشرَ كنتَ ضيقَ حلوقهمْ … يتسابقونَ تفسُّحاً وتوسُّعا

ما كنتَ مغلوبا فكيفَ أبحتهمْ … ذاكَ الحمى وأضعتَ ذاكَ الموضعا

ولجوا عرينكَ آمنينَ ورّبما … جرّوا بهِ صعبَ الولوجِ ممنّعا

جمعوا فما سدوُّا مكانكَ ثلمة ً … وسعوا فما كانوا لخرقكَ مرقعا

ما أغمدَ النُّعمانُ سيفَ لسانهُ … حتّى ثويتَ فكانَ يومكما معا

ومحدثٍ بالخلدِ بعدكَ جهلهُ … وجدَ الشَّماتة َ حلوة ً فتجرَّعا

لمْ تشفهِ منكَ الحياة ُ بجهدهِ … فشفاهُ موتكَ عاجزاً فتودَّعا

لا يشمتنَّ وإنْ أقامَ مؤخرّاً … لا بدَّ أنْ يقفوكَ ذاكَ المصرعا

كمْ فتَّهُ باعاً ولو ملك المنى … لكفاهُ فخراً أنْ يفوتكَ إصبعا

مالي وكنتث بربعِ داركَ آنسا … أمسيتُ منهُ موحشاً متفزِّعا

وأراهُ جدباً بعدَ ما كنتُ زرتهُ … خصباً بودِّكَ لي ويسركَ مرتعا

أيَّامُ أملكَ منكَ غيرَ منازعٍ … في كلِّ ما أروى الوفاءُ وأشبعا

سمعاً بطيئاً فيَّ عمّنْ لامه … وفماً إلى ما سرَّني متسرِّعا

فلأبكينّكَ منْ فؤادٍ ناصحٍ … في الحزنِ إنْ جفنٌ بكا متصنِّعا

ولأحفظنّكَ باللّسانِ ولنْ ترى … حقّاً على الحرِّ الفصيحِ مضيَّعا

وصلتْ ثراكَ على البلى وكّافة ٌ … ترضي بروضتها المكانَ البلقعا

ملىء ُ الثُّدى على الثُّرى حنَّانة ٌ … تسقي إذا فطمَ الحيا ما أرضعا

أخذتْ منَ الرِّيحِ الشَّمالِ لها الصَّبا … عهدَ الأمانِ وذمة ً لنِ تقشعا

إنْ خانَ منكَ الدَّهرُ عهدي إنّما … في نقضهِ وعلى محاسنهِ سعى

رفقاً بقلبي يا زمانُ فإنَّهُ … صلبُ العصا ما أنَّ إلاَّ موجعا

راميتني فاتركْ لكفِّي ساعدا … يصمي الرَّمية ُ أو لكفِّي منزعا

لو كانَ منْ أخذِ الرَّدى منّي لهُ … عوضٌ أطالَ على الرَّدى أنْ أجزعا

أو كنتُ أبكيهِ وأكحلُ ناظرا … بنظيرهِ ما بلَّ منِّي مدمعا