طَرَقَ الخَيالُ فَهاجَ لي بَلبالا – صريع الغواني

طَرَقَ الخَيالُ فَهاجَ لي بَلبالا … أَهدى إِلَيَّ صَبابَةً وَخَبالا

أَنّى اِهتَدى حَتّى أَتاني زائِراً … مُتَنَكِّراً يَتَعَسَّفُ الأَهوالا

بِأَبي وَأُمّي مَن طَلَبتُ نَوالَهُ … إِذ زارَني فَأَبى عَلَيَّ دَلالا

لَو أَنَّهُ خَلَطَ الدَلالَ بِنائِلٍ … فَأَنالَنا كانَ الدَلّالُ حَلالا

بارَزتُهُ وَسِلاحُهُ خَلخالُهُ … حَتّى فَضَضتُ بِكَفِّيَ الخَلخالا

هَذا الخَيالُ فَكَيفَ لي بِمُنَعَّمٍ … رودِ الشَبابِ تَخالُهُ تِمثالا

صَمَتَت خَلاخِلُهُ وَغَصَّ سِوارُهُ … وَالقُلبُ وَاِضطَرَبَ الوِشاحُ وَجالا

ما زالَ يَدعوني بِمُقلَةِ ساحِرٍ … مِنهُ وَيَنصِبُ لِلفُؤادِ حِبالا

حَتّى خَضَعتُ لِحُبِّهِ فَاِقتادَني … وَأَذَلَّني بِصُدودِهِ إِذلالا

جَلَبت دُموعي عَبرَةٌ مِن زَفرَةٍ … شَجَتِ الفُؤادَ فَأَسبَلَت إِسبالا

كَسَبَت لِقَلبي نَظرَةً لِتَسُرَّهُ … عَيني فَكانَت شَقوَةً وَوَبالا

ما مَرَّ بي شَيءٌ أَشَدُّ مِنَ الهَوى … سُبحانَ مَن خَلَقَ الهَوى وَتَعالى

يا رُبَّ خِدنٍ قَد قَرَعتُ جَبينَهُ … بِالطاسِ وَالإِبريقِ حَتّى مالا

أَنهَضتُهُ مِن بَعدِ ما أَسكَرتُهُ … فَمَشى كَأَنَّ بِرِجلِهِ عُقّالا

وَمُهَذَّبينَ أَكارِمٍ لا كارِمٍ … أُدَباءَ حازوا نَجدَةً وَكَمالا

ثاروا إِلى صَفقِ الشَمولِ فَأَشعَلوا … نَيرانَ حَربِ كُؤوسِها إِشعالا

بَوَّأتُهُم غُرَفاً جَعَلتُ تُرابَها … مَدَرَ العَبيرِ وَعَنبَراً قَسطالا

وَخَلَوا بِأَنواعِ النَعيمِ وَلَذَّةٍ … دامَت وَعَيشٍ ما يُريدُ زَوالا

في مَجلِسٍ بَينَ الكُرومِ مُظَلَّلٍ … جُعِلَت لَهُ أَغصانُهُنَّ ظِلالا

وَلَدَيهِمُ حورُ القِيانِ كَأَنَّها … غِزلانُ وَحشٍ يَرتَعينَ رِمالا

قَد حازَ كُلُّ فَتىً لَدَيهِ غادَةً … رُودَ الشَبابِ خَريدَةً مِعطالا

مَمكورَةً عَجزاءَ مُضمَرَةَ الحَشى … قَد حُمِّلَت مِن رِدفِها أَثقالا

كَالشَمسِ تُبصِرُ وَجهَهُ في وَجهِها … تَمشي فَتَسحَبُ خَلفَها أَذيالا

لِلقَصفِ مُتَّكِئينَ فَوقَ نَمارِقٍ … يُسقَونَ بِالطاسِ الرَحيقَ زُلالا

فَإِذا نَظَرتَ رَأَيتَ قَوماً سادَةً … وَنَجابَةً وَمَهابَةً وَجَمالا

رَكِبوا المُدامَ فَأَدبَرَت بِهِمُ عَلى … سُبُلِ السُرورِ وَأَقبَلَت إِقبالا

وَلَدَيهُمُ كَرخِيَّةٌ شَمسِيَّةٌ … قَد خُلِّيَت في دَنِّها أَحوالا

حَتّى إِذا بَلَغَت وَحانَ خِطابُها … ساوَمتُ صاحِبَها البَياعَ فَغالى

مازالَ حَتّى حُزتُها وَخَدَعتُهُ … وَلَقَد أَطَلتُ عَلى الخِداعِ جِدالا

وَأَمَرتُ جالوتَ اليَهودِ بِقَبضِها … وَاِبتَعتُها فَبَذَلتُ فيها مالا

لَم توطَ في حَوضٍ وَلَكِن خُلِّيَت … حَتّى جَرى مِنها السُلافُ فَسالا

خَلَّيتُها وَسطَ الحِجالِ وَلم تَكُن … إِلّا الكُرومِ لَها هُناكَ حِجالا

وَخَزَّنتُها في دَنِّها وَكَسَوتُهُ … مِن خَيشِ مِصرٍ وَالعَباءِ جِلالا

حَتّى إِذا قَرُبَت بِهِ آجالُهُ … وَلَو اِستَطاعَ لَباعَدَ الآجالا

فَطَعَنتُ سُرَّتَهُ فَسالَ دِماؤُها … فَبَزَلتُها في المُذهَباتِ بَزالا

وَكَأَنَّما الساقي لَدى إِبريقِهِ … بَدرٌ أَنارَ ضِياؤُهُ فَتلالا

يَسقيكَ بِالعَينَينِ كَأسَ صَبابَةٍ … وَيُعيدُها مِن كَفِّهِ جِربالا

وَلَنا بِهِ كَأسا هَوىً كِلتاهُما … توهي القِوى وَتُفَتِّرُ الأَوصالا

إِبريقُنا سَلَبَ الغَزالَةَ جيدَها … وَحَكى المُديرُ بِمُقلَتَيهِ غَزالا

بَينا نَرى الساقي بِأَحسَنِ حالَةٍ … إِذ مَدَّ حَبلاً لِلفِرارِ طِوالا

نادَيتُهُ اِرجِع لا عَدِمتُكَ فَاِسقِنا … وَاِرفِق بِكَأسِكَ لا تَكُن مِعجالا

نَفسي فِداؤُكَ مِن صَريعِ مُدامَةٍ … مالَت بِهامَتِهِ الكُؤوسُ فَمالا

فَمَضى عَلى غُلَوائِهِ مُتَحَيِّراً … سُكراً وَما أَلقى لِقَولِيَ بالا

هَذا النَعيمُ فَكَيفَ لي بِدَوامِهِ … أَنّى يَدومُ وَعَيشُهُ قَد زالا

أَصبَحتُ كَالثَوبِ اللِبيسِ قَد أَخلَقَت … جِدّاتُهُ مِنهُ فَعادَ مُذالا

وَبَقيتُ كَالرَجُلِ المُدَلَّهِ عَقلُهُ … أَشكو الزَمانَ وَأَضرِبُ الأَمثالا

سالَمتُ عُذّالي فَآبوا بِالرِضى … مِنّي وَكُنتُ أُحارِبُ العُذّالا

وَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّهُ ما مِن فَتىً … إِلّا سَيُبدَلُ بَعدَ حالٍ حالا

لَمّا رَأَيتُ الناسَ قَد تَرَكوا العُلى … بُخلاً وَبَعضُهُمُ يُريدُ سَفالا

رُعتُ الزَمانَ بِسَيِّدٍ مِن وائِلٍ … وَاِحتَلتُ لِلحَدثانِ لَمّا غالا

فَأَتَيتُ قَوماً مِن حَنيفَةَ لَم يَزَل … يُعطي يَميناً مَرَّةً وَشِمالا

فَإِذا الرِجالُ رَأَتهُ يَوماً بارِزاً … أَغضَت لَهُ أَبصارَها إِجلالا

ذاكَ الَّذي قَمَعَ الزَمانَ بِعِزَّةٍ … وَعَلا بِسَيفِ أَمانِهِ الزَلزَلا

غَلَبَ الرِياحَ فَما تَهُبُّ بِبابِهِ … يَوماً إِذا هَبَّت صَباً وَشَمالا

وَلَو أَنَّ في كِبدِ السَماءِ فَضيلَةً … لَسَما لَها زَيدُ الجَوادُ فَنالا

باقٍ عَلى حَدَثِ الزَمانِ كَأَنَّهُ … ذو رَونَقٍ عَضبٌ أَجيدَ صِقالا

تَلقاهُ في الحَربِ العَوانِ مُشَمِّراً … كَاللَيثِ يَجمَعُ حَولَهُ أَشبالا

حَزِنَت بِلادُ الفُرسِ ثُمَّتَ أَعوَلَت … شَوقاً إِلَيهِ بَعدَهُ إِعوالا

وَتَرَحَّلَت مَعَهُ المَكارِمُ كُلُّها … لَمّا أَجَدَّ فَأَزمَعَ التَرحالا

يا زَيدَ آلِ يَزيدَ ذِكرُكَ سُؤدَدٌ … باقٍ وَقُربُكَ يَطرُدُ الأَمحالا

ما مِن فَتىً إِلّا وَأَنتَ تَطولُهُ … شَرَفاً وَإِن عَزَّ الرِجالُ فَطالا

نَفَحاتُ كَفِّكَ يا ذُؤابَةَ وائِلٍ … تَرَكَت عَلَيكَ الراغِبينَ عِيالا

الناسُ في سَلمٍ وَأَنتَ تَكَرُّماً … لِلمُعتَفينَ تَحارِبُ الأَهوالا

يا اِبنَ الَّذين هُمُ الَّذينَ إِذا اِنتَموا … زادَ الأَفاضِلَ مَجدُهُم إِفضالا

وَإِذا تُعَدُّ خُؤلَةٌ أَلفَيتَهُم … خَيرَ البَرِيَّةِ كُلِّها أَخوالا

لَو كانَ أَدرَكَكَ الأُلى بَذَلوا النَدى … جَعَلوا يَمينَكَ لِلسَماحِ مِثالا

أَحيَيتَ عُثماناً وَمُسلِماً الَّذَي … بَذّا المُلوكَ وَبَدَّدا الأَموالا

وَلَقَد بَنى لَكَ في الذُرى مِن وائِلٍ … أَبياتَ مَجدٍ ما تُرامُ طِوالا

وَلَقَد بَنى لَكَ أَرقَمٌ وَمُطَرِّفٌ … بَيتاً رَفيعَ السَمكِ عَزَّ فَطالا

أَفتى حَنيفَةَ أَنتَ أَجوَدُ واحِدٍ … كَفّاً وَأَكرَمُ مَن يُعَدُّ فَعالا

ما قُلتُ في أَحَدٍ سِواكَ عَلِمتُهُ … إِلّا رَأَيتُ القَولَ فيهِ مُحالا

إِنَّ الخَليفَةَ بَدرُ آلِ مُحَمَّدٍ … وَلِوائِلٍ أَصبَحتَ أَنتَ هِلالا

وَإِذا سَماءُ ذَوي السَماحَةِ لَم تَجُد … جادَت سَماؤُكَ مَسبِلاً هَطّالا

كَم مِن أَسيرٍ قَد دَعاكَ مُكَبَّلٍ … فَفَكَكتَ عَنهُ القَيدَ وَالأَغلالا

إِنَّ السُيوفَ إِذا الحُروبُ تَسَعَّرَت … بِكَ توعِدُ الفُرسانَ وَالأَبطالا

وَلَقَد تَعَرَّضَ قَبلَ أَن أَلقاكَ لي … بَحرُ النَدى مِن راحَتَيكَ فَهالا

وَكَّلتَ نَفسَكَ بِالمَحامِدِ وَالعُلى … فَجَعَلتَها لَكَ دَهرَها أَشغالا

أَقسَمتُ لَولا أَنَّ نَيلَكَ واسِعٌ … ذَهَبَ النَوالُ فَلَم نُحِسَّ نَوالا

بِكَ أَستَطيلُ عَلى الزَمانِ وَرَيبِهِ … وَلَرُبَّما بَذَخَ الزَمانُ وَصالا

أَمَّلتُ مِنكَ نَوافِلاً فَأَصَبتُها … إِنَّ اليَقينَ يُصَدِّقُ الآمالا

وَوَعَدتَني وَعداً فَقَد أَنجَزتَهُ … وَفَتَحتَ عَن أَبوابِكَ الأَقفالا

إِنّي رَماني الدَهرُ مِنهُ بِنَكبَةٍ … حَتّى حَمَلتُ مِنَ الدُيونِ ثِقالا

وَأَرى الحَوادِثَ ما تَزالُ تَنوبُني … غَرَضاً وَتَقصِدُ في الفُؤادِ نِبالا