طفنا بنادي عُلى َ بالبشرِ ملَتمِع – حيدر بن سليمان الحلي

طفنا بنادي عُلى َ بالبشرِ ملَتمِع … كم ضمَّ للأُنسِ من كهلٍ ومن يَفع

وربَّ شادٍ هناكَ اهتاجَ ذا ولع … وربَّ مجلسِ أُنسِ فوقَ مرتفع

بناءُ عزٍّ ولكن سقفُه كرمٌ … حتّى عليه الثُريّا لم تطأ قدمٌ

ذو منظرٍ عنه ثغرُ الدهرِ مبتسمٌ … “تودُّ لو أنها تحكي له إرمٌ

رباعُهُ لم تزل يا ميُّ آهلة ً … بمن كم افترضوا للوفدِ نافلة ً

فمن شذا فخرِهم إن رحتِ سائلة ً … “تجري الصَبا الغضُّ في مغناهُ حاملة ً

ومع نديمٍ كأَن حيا بمجمرَة ٍ … مفاكهٍ بأناشيدٍ معطّرة ٍ

ذي طلعة ٍ مثلَ وجهِ البدرِ مسفرة ٍ … «في ليلة ٍ مثل صدرِ الصبحِ مقمرة ٍ

بتنا ومجتمعُ اللّذاتِ مجمعُنا … ونشوة ُ الأُنسِ لا الصهباءِ تصرعُنا

نُحيي الدُجى ونميت الهمَّ أجمعُنا … “جذلا سُكارى وإبراهيم يُسمعُنا

عنوانُ أخبارِ أهلِ الفضلِ إن رُويت … قرآنُ آياتِ علياها إذا تُليت

لسانُها للمقالِ الفصل إن دُعيت … إنسانُ عين بني الدنيا لقد عَشِيت

لم تحكِ أخلاقَهُ الصهباءُ مُرتشفا … ولم تماثِلُه أربابُ النهى ظَرَفا

ممَّن ترى الكلَّ منهم سابقاً أنفا … قد فاتَ أقرانه ثمَّ ارتقى شرفا

يَفوقُ حيَّ ملوكِ الأرضِ مَيتهمُ … وفوق أنماطِها يجري كميتهمُ

دعني ومدحهم إنّي رأيتهمُ … من سادة ٍ شرعة ُ الإسلام بيتهم

بيتٌ تُفاخِرُ هام الصيد أرجُلنا … على ثراه، فتهوي فيه تحمِلنا

يا ليلة ً طابَ فيها منه مَنزلنا … بتنا ومُذهبَة ُ الأحزانِ تشملنا

لزورقِ الفكر سبحٌ في جداولهِ … وطائرِ البشرِ صدحٌ في خمائلهِ

قد شفَّ عن دُرِّه صافى مناهلهِ … وخضرة ُ الروضِ حَفَّت في سواحله

روضٌ من الأُنسِ في طَلِّ الهنا خظل … كم فيه حيّا الندامى شادنٌ غَزِلُ

وعاطشُ الخصرِ ريّانُ الصِبا ثملُ … وأهيفُ القدِّ قاني الخدِّ معتدل

ظبيٌ من الإِنسِ باتَ الحُلي باهِضه … ذو مبسمٍ هُمتُ لمّا شُمتُ وامضه

لهوتُ فيه غضيضَ الطرفِ خافضه … قد خفَّف اللينُ خدّيه وعارضَه

غضُّ الشمائل من زهو الصِبا طرِبُ … كم جدَّ في مُهجتي من لحظِه لَعِب

ضربٌ من الخمرِ ما في فيه أم ضَرَب … مهفهفٌ غنجٌ في ثغره شَنبُ

أُجيلُ فكريَ طوراً في حواضنه … أيُّ الجواهر كانت من معادنِه

وتارة ً في هوى قلبي وفاتِنه … أُسرِّح الطرفَ في معنى محاسنهِ

أنشى لنا الأُنسَ مذ غنَّى لنا هَزجا … فردَّ منّا خليعاً كلَّ ربِّ حجى

قد راقَنا بهجة ً بل شاقنا دَعَجا … أظنُّه كان شمساً أو هلالَ دُجى

مفضّضُ الثغرِ ذو كفٍّ مخضبّة ٍ … ووجنة ٍ من دماءِ الصبِّ مُشرَبة ٍ

مرخى فروعٍ كنشر المسكِ طيبة ٍ … يشتدّ بين الندامى في مُذهَّبة ٍ

لم أدرِ هل سُكبت من ذوب عسجدهِ … أم خدُّه قد كساها من تورُّده

أم استعارت سناها من توقُّده … إذاة هوى يلقِطُ الألبابَ من يده

فمن طِلاً أشفَعت لي في استيافَتِه … وريقة ٍ عذُبت لي في ارتشافته

حيّا بخمرينِ زادا في ضرافته … فقمت أشربُ حيناً من سُلافَته

منعَّمُ الجسمِ لا شالت نُعامته … ولا انمحت من بياضِ الخدِّ شامتهُ

كم عاد بالكاسِ تجلوها ابتسامَتُه … حتى إذا أخذت منّا مُدامتُه

غنَّى لنا فصحونا منه عن فرحِ … كأَننا ما شربنا الراحَ في قدحِ

وحيثُ كنّا أخذنا منه في مِلح … وناولتنا غُبوقاً كفُّ مُصطبح

نعم ألمَّ، ونامَ الحيُّ، ظبيهُمُ … يُعطي الندامى من الصهباءِ ما احتكموا

حتّى بهم صاحَ داعي الفجر ويحكمُ … يا رُقبة َ الحيِّ هبوا طالَ نومُكُم

لقد حلفت ببيتٍ فيه ظلَّلنا … رواقُ عزٍّ علاهُ القَننا

لا خفتُ دهريَ لا سرًّا ولا عَلنا … أنختشي والنقيُّ ابنُ التقيِّ لنا

مولى ً تودُّ الدراري أنّها حَسِبت … منه مناقبَه أو فخرَها اكتسبت

يعزوه طوراً إذا أهلُ الحِجى انتسبت … وذلك المجلسُ السامي به رسبت

نادٍ قرى الضيفِ من إحدى عوارفه … والوفدُ طائفهُ فيه كعاكفه

ينسيهمُ الأهلَ أُنساً في طرائِفه … إن أخمصَ القومُ نالوا من صحائفه

ببابه تتلاقى السبلُ مُشرَعة ً … إذ لم يكن غيرُه للجودِ مَشرعة ً

تؤمُّ كوثرَه الوفّاد مُسرَعة ً … ومن صدى ينضرِ الأقداحَ مترعة ً

به النقيُّ عليُّ القدرِ كوكبُها … تهدى به، إن أضلَّ الركبَ غيهُها

حَبرٌ صفى منه للورّادِ مشربُها … غيث إذا انهمَرت كفَّاه تحسبها

لئن تجلّى أخو مجدٍ بسؤددِه … وزانَه في البرايا طيبُ محتِدِه

فأنَّه والمعالي بعضُ شُهَّده … قد طوَّقَ المجد جيداً يوم مولده

عفُّ السريرة ِ ذو نفسٍ مُبرّأة ٍ … معصومة ٍ بالتقى من كلِّ سيّئة ٍ

عن مدحه أيُّ حسنى غيرُ مُنبئَة ٍ … لو أُنزلَ اليومَ قرآنٌ على فئة ٍ

كم آملٍ صدَقت فيه عيافتُه … جوداً وكم مَلكت نفساً ظرافتُه

أجل وكم فطرتَ قلباً مخافتُه … من بيتِ مجدٍ لقد شيدتُ غرافتُه

محضُ النجارِ كريم الفرعِ طيّبهُ … سامي العلى من نطافِ العزِّ مشربه

من أُسرة ٍ ودُّها القرآنُ موجبهُ … وسادة ٍ كلُّ من تلقاه تحسبهُ

لولاهم حبوة ُ الإسلامِ ما انعقَدت … ولا شريعته أنهارُها اطَردت

قومٌ هم سُرجُ الإيمان لاخمدت … فكم مصابيحِ علم فيهم اتَّقدت

بمقطعِ الرأيِ كم أوهَت مذ اعترضت … صَفاة حجة ِ أهلِ الشركِ فاندحضت

أجل وكم ركنِ غيٍّ مُحكمٍ نقضت … «وكم يراعٍ لهم أسنانُه لفظت

منازلُ الملأ الأَعلى منازِلُهم … وفي السما شرفاً تُتلى فضائِلُّهم

أكارمٌ تغمرُ الدنيا نوافلهُم … “فقل لمن قد غدا جهلاً يطاولِهم

يا مَنسِمَ الفخرِ قِف واترك مصاعبَهم … أتعبتَ نفسَك لن تسمو غواربهم

هيهات فاتَكَ أن تحوي مناقِبَهم … “ما أنتَ والقومُ ترجو أن تغالَبهم

فَمُت بدائِكَ عن غيطٍ توهُّجهُ … يوري الحشا ومساعيهم تؤَجِجُّه

فتهجم للمعالي لستَ تنَهجه … «ولا تُريعُ لهم سرباً وتُزعِجه

بنى العلى طابَ في العلياءِ مغرُسكم … وللهدى والندى مازالَ مجلسكم

عواصبٌ بجلالِ الله أرؤسُكم … «فلا تزالُ يدُ الأفراحِ تُلبِسكم

ولا تزالُ عِداكم تشتكي عِللاً … بين البريَّة ِ تَغتدي مَثلاً

عوارياً من لباسي عزّة ٍ وعَلاً … «ونحن نَلبَسُ من أيديكمُ حللاً

ملابساً كلَّما مِسنا بهنَّ ضحى ً … رأت حواسدنا من غيظها بَرحاً

كأننا في الورى من نهينا فَرَحاً … «نختالُ فيها على أنفِ العِدى مرحاً