صدتْ بنعمانَ على طول الصدى – مهيار الديلمي
صدتْ بنعمانَ على طول الصدى … دعها فليس كلُّ ماءٍ موردا
لحاجة ٍ أمسَّ من حاجاتها … تخطأتْ أرزاقها تعمدا
ترى وفي شروعها ضراعة ٌ … حرارة ً على الكبودِ أبردا
عادة ُ عزًّ جذبتْ بخطمها … و كلُّ ذي عزًّ وما تعودا
لا حملتْ ظهورها إن حملتْ … رجلا على الضيم تقرُّ أويدا
إن لم يلقها جانبٌ مقاربٌ … فارم بها الجنبَ العريضَ الأبعدا
خاطرْ ولو أردى الخطارُ إنه … لا يأمن الذلة َ من خاف الردى
لا يحرزُ الغاية َ إلا بائعٌ … بغلظة ِ العيش الرقيقَ الرغدا
يطوى الفلا لا يستضيفُ مؤنسا … و الليلَ لا يسأل نجما مرشدا
إذا رأى مطعمة ً خافضة ً … عوذَ بالله ومالَ الحيدا
يعطى جذابَ الشهواتِ عنقاً … شمساءَ لا تعرف إلا الصيدا
تمارسُ الأيامُ منه كلما … حارنَ أو لجّ غلاما نكدا
يعزفُ إلا عن فكاهاتِ الهوى … و قد رأى فيه الحبيبَ المسعدا
أقسمَ بالعفة ِ لا تيمهُ … ظبيٌ رنا أو غصنٌ تأودا
و لا قرى صبابة ً فؤاده … إلا السلوَّ حاضرا والجلدا
شأنك يا بنَ الصبواتِ فالتمسْ … غيري أخاً لستُ لهنَّ ولدا
مولاك من لا يخلقُ الشوقُ له … وجدا ولا طولُ البعاد كمدا
كأنما يشهدُ من عفافه … على المشيبِ يافعاً وأمردا
موقرا متعظا شبابهُ … كأنما كان مشيبا أسودا
تحسبه نزاهة ً وكرماً … و مجدَ نفسٍ بابن أيوبَ اقتدى
فدى عميدِ الرؤساء مصفرٌ … لو طاب لا يصلحُ إلا للفدى
يرضى بما ساق إليه غلطُ ال … حظّ ولم يسعَ له مجتهدا
يعجبُ من جهالة ِ الأيام في … وجدانه ما لم يكن لينشدا
تحسبه جاء يريد غيره … فضلَّ عن طريقهِ وما اهتدى
و حاسدٍ فخارهُ معْ نقصهِ … في الناس أن عادى العلا وحسدا
تلهبُ نارُ الغيظ في ضلوعه … جمراً يقول حرها لا بردا
زال بنصر مجدهِ غيران ما … نازلَ إلا ظافرا مؤيدا
مدّ إلى أخذِ العلا فنالها … يدا تبوعُ ساعدا وعضدا
تقضي له الأقلامُ من حاجاتها … ما استقضت الذابلَ والمهندا
ما زال يرقى في سماواتِ العلا … بروجها الأسعدَ ثمَّ الأسعدا
مصاعدا نجومها حتى إذا … تطاولتْ خلفها وصعدا
رأى المعالي بالمساعي تقتضى … و الشرفَ المحرزَ من كسبِ الندى
فصاعبَ الأسودَ في أغيالها … صرامة ً وجاودَ الغيثَ جدا
و كلما قيل له قفْ تسترحْ … جزتَ المدى قال وهل نلتُ المدى
ناهضَ ثقلَ الدولتين فكفى ال … ملكَ الطريفَ ما كفاه المتلدا
و كان للأمرين منه جنة ً … مسرودة ً وصارما مجردا
فاغترسَ القادرُ يومَ نصرهِ … و استثمرَ القائمُ بالأمر غدا
قام بأمرٍ جامع صلاحهُ … فضمه بنفسه منفردا
فلستُ أدري ألوحيٍ هابط … أم اختيارا لقباهُ الأوحدا
وزارة ٌ وفرها لدستهِ … أنَّ أباه قبلُ فيه استندا
دبرها مستبصرا فلم يكن … مفوصا فيها ولا مقلدا
يسند عن آبائه أخبارها … صادقة ً إذا اتهمتَ المسندا
و أعتقُ الناس بها من لم يزل … مكررا في بيتها مرددا
يا من مخضتُ الناسَ فاستخلصتهُ … بعدَ اجتهادي فاليا منتقدا
و البازلُ العودُ وقد نبذتهم … بكية ً معرورة ً أو نقدا
ذللتَ أياميَ واستقربتَ لي … غلبة ً وفاءها المستبعدا
هونتَ عندي الصعبَ من صروفها … فخلتُ أفعالها الوثوبَ مسدا
أعديتها بحفظك العهدَ فقد … صارت صديقا بعد أن كانت عدا
و لم تضيع حرما أحكمها … قديمُ حقيّ فيكمُ وأكدا
أنتَ كما كنتَ أخاً مخاللاً … بحيثُ قد زدتَ فصرتَ سيدا
فاسمعْ أقايضك بها قواطنا … سوائرا معقلاتٍ شردا
عوالقا بكلَّ سمعٍ صلفٍ … يلفظُ أن يقبلَ إلاّ الأجودا
مما قهرتُ فجعلتُ وعره … مديناً وحره مستعبدا
مطاربا إذا احتبى الراوي لها … شككتَ هل غنى ً بها أم أنشدا
تخالُ أرجازا من استقصارها … و قد أطال شاعرٌ وقصدا
يمضي الفتى المرسومُ في فخارها … صفحا وتبقى عرضه مخلدا
تحملُ أيامُ التهاني تحفاً … منها إليك بادئاتٍ عودا
ما دامت الغبراءُ أو ما حملتْ … مدحوة ٌ من الجبال وتدا
سنينَ تطويهنّ حيا سالما … منورزا في العزّ أو معيدا
لا الشعرُ تبلى أبدا رسومهُ … فيك ولا تعدمُ أنت سندا